٢ ـ المعنى الثاني لمقام الإثبات هو : أن يراد به ، عالم الألفاظ ، لا عالم ، مدلولاتها ، فيقال : بأنّ هذا الشكل من التنسيق بين الألفاظ ، الأصل أن يكون متطابقا مع تنسيق معنوي في مرحلة المدلول التصديقي.
وهذا المعنى ينطبق على محل الكلام ، فيقال : إنّ تنسيق الكلام وترتيبه في هذه الجملة الشرطية ، كان فيه لفظ الجزاء مترتبا على لفظ الشرط ، إمّا فعلا ، أو تقديرا ، وحينئذ يقال : الأصل أن يكون في مرحلة التصديق كذلك ، أي يكون واقع الجزاء بعد واقع الشرط ، تطبيقا لأصالة التطابق بين مقام الإثبات ومقام الثبوت ، وبذلك نثبت علّيّة الشرط للجزاء.
إلّا انّ هذا المعنى لمقام الإثبات غير صحيح كبرويا ، بمعنى انّه لا محصل له ، باعتبار انّه ليس هناك أصل باسم أصالة التطابق بين عالم بناء الألفاظ ، وعالم بناء المعاني ، وإنّما أصالة التطابق ، ظهور حالي ، مرجعه إلى انّه إذا استعمل حينما يريد إحضار معنى باللفظ في ذهن السامع ، فلا بدّ وأن يكون ذلك على أساس انّ هذا المعنى مراد جدي له.
فأصالة التطابق ، ناظرة إلى مرحلة المراد الاستعمالي مع المراد الجدي ، أي إلى المعنى الأول لمقام الإثبات ، لا إلى المعنى الثاني ، ويدل على ذلك ، انّ الترتّب الذكري ، لا يستفاد منه الترتب الواقعي ، فلو قيل : «جاء زيد وعمرو» ، فهنا ، «عمرو» ، مترتب ذكرا على «زيد» ، فإذا طبّقنا أصالة التطابق ، فيثبت بها ، انّ مجيء «زيد» ، كان قبل مجيء «عمرو» ، مع انّ هذا المعنى ، لا يستفاد من العطف «بالواو» ، جزما.
فهذا دليل على انّ أصالة التطابق بين مرحلة الإثبات ومرحلة الثبوت ، لا تطبّق على المعنى الثاني لمقام الإثبات.
وأمّا إذا قال المتكلم ، «جاء زيد ، ثم عمرو» ، فهنا نقول ، المتكلم قصد إخطار معنى الترتب ، وبمقتضى أصالة التطابق ، يثبت انّه يحكي جدا عن ذلك ، وهذا يدل على انّ أصالة التطابق ، تطبّق على المعنى الأول لمقام