وإذا عرفت ثبوت المفهوم للاستثناء ، فإذا ورد «أكرم العلماء إلّا الفسّاق» ، وورد ، «إذا زارك العالم الفاسق فأكرمه» ، فحينئذ ، يقع التعارض بين مفهوم الدليل الأول ، ومنطوق الدليل الثاني ، ولا بدّ حينئذ ، إمّا من الجمع العرفي إن أمكن ، وإلّا ، فتطبيق قواعد التعارض.
وأمّا لو فرض انّه ورد ، «أكرم كل عالم إلّا الفسّاق» ، وورد «أكرم الفاسق الفقير» ، وفرضنا وجود إنسان عالم فقير فاسق ، ففي مثله ، لا يتعارض الدليلان ، والوجه فيه واضح ، فإنّ طبيعي وجوب الإكرام الذي نفيناه عن الفسّاق في الجملة الأولى بمقتضى المفهوم ، إنّما هو طبيعي وجوب الإكرام الثابت للعالم والذي يكون للعلم مدخليّة فيه ، وأمّا الوجوب الذي ليس للعلم مدخليّة فيه ، فلا ينفى عن الفاسق ، والمفروض انّ الوجوب الذي ثبت في الدليل الثاني ، إنّما ثبت لعنوان الفقير ، ومثله لا مانع من شموله للفاسق الفقير ، لأنّ مثل هذا الوجوب لم يكن داخلا في المستثنى منه لينفى بمفهوم الاستثناء.
وإن شئت قلت : ان المفهوم المدّعى في الاستثناء إنما هو انتفاء طبيعي الحكم الثابت لعنوان المستثنى منه في المستثنى فلا ينافي مع ثبوت حكم مماثل له بعنوان آخر غير عنوان المستثنى منه ، كما لو قال : «أكرم الفاسق الفقير» ، فإنه لا يتعارض مع مفهوم اكرم كلّ العلماء إلّا الفسّاق ، لأنّ طرف النسبة الاستثنائية التامة إنّما هو وجوب إكرام العالم ، وهو لا يصدق على وجوب إكرام الفقير.
والخلاصة : هي ، انّ المستثنى منه هو ، عنوان العلماء بما هو موضوع للحكم بوجوب الإكرام ، وأمّا الفقير الذي هو موضوع آخر لوجوب الإكرام ، فلم يستثن منه شيء.
نعم لو ثبت حكم بوجوب الإكرام على فاسق عالم مع دخل علمه في الموضوعيّة ولو بنحو جزء الموضوع ، حينئذ يكون معارضا مع مفهوم الاستثناء ، لأنّه خلف الاستثناء من العلماء بما هو موضوع لوجوب الإكرام.