والصحيح : انّ هذه النسبة الاستثنائية ، يوجد بإزائها مدلول تصديقي.
وتوضيحه : انّه في قولنا «أكرم العلماء الّا الفسّاق» ، توجد نسبتان.
أ ـ النسبة الأولى : هي مفاد هيئة أكرم.
ب ـ النسبة الثانية : هي مفاد إلّا ، ولا شك انّ هذه الجملة الاستثنائية تشتمل على مدلول تصديقي ، وحينئذ فإمّا أن يدّعى انّ هذا المدلول التصديقي بإزاء النسبة المستفادة من «هيئة أكرم» ، وانّ النسبة المستفادة من هيئة أداة الاستثناء لا مدلول تصديقي بإزائها ، وإمّا أن يدّعى العكس ، وإمّا أن يدّعى انّه بإزاء كل من النسبتين مدلول تصديقي.
وهذه الدعوى الأخيرة هي الصحيحة والمتعينة ، لأنّ الإنسان لو خالف الواقع في المستثنى والمستثنى منه لكان قد كذب كذبتين ، كما لو قال : «كل إنسان أسود إلّا الزنجي» ، فهنا كذبتان : الأولى : هي الحكم على كل إنسان بأنّه زنجي ، الثانية : هي استثناء الزنجي ، فالكذبة قد تعدّدت ، وتعدّدها دليل على تعدّد المدلول التصديقي.
فالصحيح إذن ، انّ هناك مدلولا تصديقيا بإزاء النسبة الاستثنائية ، ومعه يتم جريان الإطلاق ويثبت المفهوم.
ثمّ انه قد عرفت سابقا ، انّه إذا كان الاستثناء من السلب ، كما في قوله : «لا يجب تصديق المخبر إلّا الثقة» فإنّه لا إشكال في ثبوت المفهوم ، ولم نحاول إثبات الركن الثاني كما حاولنا في الاستثناء من الإثبات.
والوجه في ذلك : انه في الاستثناء من السلب سواء أثبت الركن الثاني ، أو لم يثبت ، فعلى أيّ حال يثبت المفهوم الذي هو وجوب تصديق الثقة ، لأنّ المستثنى منه ، سواء كان شخص الحكم أو طبيعيّة ، فإنّه لا محالة في انّ تحقّق الإثبات الذي هو وجوب تصديق خبر الثقة ثابت ، ومن هنا ، كان المفهوم في هذا النحو ، أوضح منه في النحو الآخر.