ملك ؛ فليس لهم أن ينكروا رسالة البشر.
وأصله ما قال : (وَلَوْ جَعَلْناهُ مَلَكاً لَجَعَلْناهُ رَجُلاً) [الأنعام : ٩] ؛ لما ذكرنا أنهم لا يعرفون الملائكة ، ومن كان من غير جوهرهم ؛ فلا بدّ من أن يكون رجلا ، فكان في ذلك تلبيس عليهم على ما أخبر ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (قُلْ كَفى بِاللهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ).
قال بعضهم : كفى بما أقام الله من الآيات والحجج على رسالتى وأنى رسول إليكم ؛ إذ كان ذلك [في قول كان](١) من أولئك الكفرة من إنكار الرسالة.
وقال بعضهم : يحتمل أن يكون على الإياس من إيمانهم كقوله : (لا حُجَّةَ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ اللهُ يَجْمَعُ بَيْنَنا ...) ، الآية [الشورى : ١٥].
وقوله ـ عزوجل ـ : (إِنَّهُ كانَ بِعِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً).
يذكر هذا. والله أعلم. بأنه. عن علم بإجابتهم وردّهم. بعثه إليهم رسولا لا عن جهل بأحوالهم ، وليس فيما يعلم أنهم يردون ، ولا يجيبون رسله خروج عن الحكمة ؛ لأنه ليس في إجابتهم منفعة للرسل ، ولا في ردّهم ضرر له ، وإنما المنفعة في الإجابة لهم ، وفي الردّ الضرر عليهم ؛ لذلك لم يكن في بعث الرسل على علم منه بالردّ خروجا عن الحكمة [وفي الشاهد كان خروجا عن الحكمة ؛ لأن](٢) ؛ في الشاهد إنما يبعث الرسول لمنفعة تتأمّل وتصل إليه أو دفع ضرر عنه ، فإذا علم أنه يرد رسالته ، ولا يجيب ، كان في بعث الرسول إليه بعد علمه بالردّ خروج من الحكمة.
أو يخرج قوله : (إِنَّهُ كانَ بِعِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً) على الوعيد ، وكذلك أمثاله.
وإن احتج علينا بعض المعتزلة بقوله : (وَما مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جاءَهُمُ الْهُدى) ، يقولون له : منعنا القضاء والقدر ؛ إذ من قولهم : إن ما يفعل الإنسان من فعل أو معصية أو طاعة ، فإنما يفعل بقضائه وتقديره ؛ فيكون لهم الاحتجاج عليه بأن يقولوا : منعنا قضاؤك وتقديرك.
لكن هذا فاسد ؛ لأنهم لا يفعلون هم ما يفعلون عند وقت فعلهم لأن الله. تعالى. قضى ذلك وقدر ، ولو جاز لهم [هذا](٣) الاحتجاج لأنه كذلك قضى وقدر ، فإذا كانوا هم عند أنفسهم لا يفعلون ما يفعلون ؛ لأنه كذلك قضى وقدر ، لم يكن لهم الاحتجاج عليه
__________________
(١) سقط في أ.
(٢) بدل ما بين المعقوفين في أ : لأنه.
(٣) سقط في ب.