آخره ، وآخره أوله ، فإذ لم يكن دل أنه من عند الله نزل ، ولو كان على ما يقولون أصحاب العموم والظاهر أيضا لم يكن قيما ولا مستقيما ، بل يخرج مختلفا متناقضا ؛ لأنهم يعتقدون على العموم والظاهر ، ثم يخصّون بدليل ، فهو مختلف ، وأصله قيم بالحجج والبراهين على أي تأويل كان ، وبالله التوفيق.
وقوله ـ عزوجل ـ : (لِيُنْذِرَ بَأْساً شَدِيداً) :
أي : أنزله على عبده ، لينذركم بأسا شديدا ، أي : لينذر ببأس شديد ، والبأس : العذاب.
وقوله ـ عزوجل ـ : (مِنْ لَدُنْهُ).
هذا يحتمل وجهين :
أحدهما : أنزل على عبده الكتاب من لدنه ، أي : من عنده.
والثاني : لينذركم الكفار بأسا شديدا ينزل من عنده ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحاتِ).
فيه دلالة : أنه قد يكون المؤمنون يستحقون اسم الإيمان ، وإن لم يعملوا الصالحات ، حيث ذكر المؤمنين ، ثم ذكر الأعمال الصالحات ، خص المؤمنين بعمل الصالحات ، لكن البشارة المطلقة إنما تكون للمؤمنين الذين عملوا الصالحات ؛ لأنه لم يذكر البشارة المطلقة في جميع القرآن إلا للمؤمنين الذين عملوا الصالحات ، ثم المؤمنون الذين عملوا غير الصالحات في مشيئة الله : إن شاء عفا عنهم ، وإن شاء عذبهم بقدر عملهم الذي كانوا عملوا ، وإن شاء قابل سيئاتهم بحسناتهم فإن فضلت حسناتهم على سيئاتهم ، بدل سيئاتهم حسنات على ما أخبر : (فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ ...) [الفرقان : ٧٠] هم في مشيئة الله على ما ذكر ، وليست لهم البشارة المطلقة التي للمؤمنين الذين عملوا الصالحات.
وقوله ـ عزوجل ـ : (أَنَّ لَهُمْ أَجْراً حَسَناً) :
لا سوء فيه ولا قبح.
وقوله : (أَنَّ لَهُمْ أَجْراً حَسَناً) دون قوله : (... لَهُمْ أَجْراً كَرِيماً) [الأحزاب : ٤٤] ، (كَبِيراً) [الإسراء : ٩] في الذكر لكنه صار مثله بقوله : (ماكِثِينَ فِيهِ أَبَداً) لا يخرجون منه أبدا ، وهم مقيمون فيه.
ثم يحتمل وجهين :
أحدهما : (ماكِثِينَ فِيهِ) ، أي : لا تأخذهم سآمة ولا ملالة فيه ؛ فيريدون التحول منه إلى غير ؛ على ما يكون في الشاهد : أنه يسأم المرء ويمل من طعام ـ وإن كان رفيعا ـ