ويرغب فيما دونه ، وهو ما قال : (خالِدِينَ فِيها لا يَبْغُونَ عَنْها حِوَلاً).
والثاني : (ماكِثِينَ فِيهِ أَبَداً) ؛ لأن خوف الخروج والزوال عن النعمة ينقص النعمة على صاحبها ، وهو ما قال (خالِدِينَ فِيها أَبَداً) [النساء : ٥٧] ؛ وقال : (وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) [البقرة : ٦٢].
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قالُوا اتَّخَذَ اللهُ وَلَداً. ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ) :
هذا يحتمل وجهين :
أحدهما : أي : يعلمون أنه لم يتخذ ولدا ، ولكن يقولون ذلك على العلم منهم كذبا وزورا ؛ كقوله : (وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ. تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللهِ وَأُشْرِكَ بِهِ ما لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ) [غافر : ٤١ ، ٤٢] أي : أشرك ما أعلم منه : ليس هو لشريك له ، وكقوله : (قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللهَ بِما لا يَعْلَمُ فِي السَّماواتِ) [يونس : ١٨] ، أي : أتنبئون الله بما لا يعلم أنه ليس على ما تقولون.
والثاني : يحتمل قوله : (ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ) ، أي : عن جهلهم يقولون ما يقولون من الولد والشريك لا عن علم ؛ تقليدا لآبائهم ؛ لأنهم ليسوا بأهل كتاب يعرفون به ، ولا كانوا يؤمنون بالرسل ، وأسباب العلم هذان : الكتاب والرسل ، فما قالوا إنما قالوا عن جهل لا عن علم ، وكذلك آباؤهم ، فإن كان على هذا ، ففيه دلالة أن من قال شيئا عن جهل فإنه يؤاخذ به حيث قال : (وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قالُوا ...) الآية.
وقوله ـ عزوجل ـ : (كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْواهِهِمْ).
أي : كبرت وعظمت تلك الكلمة التي قالوها على من عرف الله حق المعرفة حتى كادت السموات والأرض أن تنشق ؛ لعظم ما قالوا في الله كقوله : (تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ ...) الآية [مريم : ٩٠].
وقوله : (إِنْ يَقُولُونَ) :
أي : ما يقولون إلا كذبا ، ثم تكلم أهل الأدب في نصب (كَلِمَةً).
قال بعضهم : انتصب على المصدر ، أي : كبرت كلمتهم التي قالوها كلمة ؛ كقوله : (وَكَلَّمَ اللهُ مُوسى تَكْلِيماً) [النساء : ١٦٤].
وقال قطرب : هو على الوصف ؛ كما يقال : بئس رجلا ، ونعم رجلا ؛ على الوصف به ، وذلك جائز في اللغة فعلى ذلك هذا.
وقال الخليل : إنما انتصب ، لأنها نعت لاسم مضمر معرفة ، وهو بمنزلة قوله : (ساءَ مَثَلاً) [الأعراف : ١٧٧] وإنما كان نعتا لاسم مضمر ؛ لأنه قال : (وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قالُوا