وفي حرف ابن مسعود : أن أذكر له.
قال الحسن : لم يكن نسيه ؛ ولكن تركه متعمدا مضيعا ، وإنما أضاف إلى الشيطان ؛ يقول : إن الشيطان حملني حتى تركت ذكره لك ، وكذلك يقول في قوله في قصة آدم : (فَنَسِيَ) [طه : ٨٨] ، أي : ضيع أمره وتركه ، ونحوه من المحال ، ولكن لا يحتمل أن يترك أن يذكر له عمدا ، والشيطان مما يسعى بالحيلولة في مثل هذا : في أمر الدّين ، وفي النعم إذا كثرت واتسعت على إنسان ؛ فيسعى بالإنساء في مثله.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَباً).
قال بعضهم : عجب موسى من الفتى أن كيف نسي أن يذكره ، وقد احتاج إلى أن يتحمل مئونة عظيمة في حمله؟!
وقال بعضهم : عجب موسى منه حين يبس له الماء وأثره فيه ، والله أعلم.
ثم ذكر موسى بخبر الحوت ، وما صنع فقال.
(ذلِكَ ما كُنَّا نَبْغِ).
أي : نطلب من حاجتنا من الظفر بذلك الرجل ، يقول ذلك لفتاه.
ثم في الآية وجوه من الفوائد :
أحدها : أن يلزم الإنسان طلب العلم واقتباسه ؛ إذ كان به وبالناس حاجة إليه ، وإن بعدت الشقة ونأى الموضع ؛ حيث قال موسى : (لا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً).
وفيه : أن لا بأس لاثنين أن يسافرا ولا كل واحد واثنين يكونان شيطانين ، على ما ذكر في بعض الأخبار : «إنّ الواحد شيطان ، والاثنين شيطانان» (١) ، ولكن واحدا دون واحد ، واثنين دون اثنين.
وفيه : أنه لا يسافر إلا بالزاد ؛ حيث تزود موسى والفتى الحوت الذي ذكر حين خرجا إلى حيث أمر موسى أن يخرج في مجمع البحرين : فأمّا أهل التأويل فإنهم قالوا جميعا : إنه أمر موسى أن يأتي الخضر ؛ ليتعلم منه العلم ، ولكن ليس في القرآن ذكر الخضر ؛ إنما فيه ذكر عبد من عباده ؛ حيث قال : (فَوَجَدا عَبْداً مِنْ عِبادِنا).
__________________
(١) أخرجه أبو داود (٢ / ٤٢) كتاب الجهاد : باب في الرجل يسافر وحده (٢٦٠٧) ، والترمذي (٣ / ٣٠١) أبواب الجهاد : باب ما جاء في كراهية أن يسافر الرجل وحده (١٦٧٤) ، ومالك (٢ / ٩٧٨) كتاب الاستئذان : باب ما جاء في الوحدة في السفر ، وأحمد (٢ / ١٨٦) وابن خزيمة (٢٥٧٠) عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «الراكب شيطان ، والراكبان شيطانان ، والثلاثة ركب».