وهم قوم قد عرفوا ذلك ، حيث رضوا بذلك ولم يتنازعوا فيه.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى) بيّنوا اليوم ، وبيّنوا الوقت ، وهو وقت الضحى.
(وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى) قال بعضهم (١) : أي : نهارا جهارا ، كقوله : (أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنا ضُحًى) [الأعراف : ٩٨] نهارا ، يعني : جهارا.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَتَوَلَّى فِرْعَوْنُ) ، أي : أقبل على أمره ، وجمع كيده ، ليس على الإعراض عما دعوا إليه ، ثم أتى بهم ، وهو كقوله : (وَإِذا تَوَلَّى سَعى فِي الْأَرْضِ) [البقرة : ٢٠٥] أي : أقبل على السعى في الأرض بالفساد.
وقوله ـ عزوجل ـ : (قالَ لَهُمْ مُوسى وَيْلَكُمْ لا تَفْتَرُوا عَلَى اللهِ كَذِباً) ، هذا يحتمل وجهين :
أحدهما : لا تفتروا على الله كذبا فيما بان لكم الحق ، وظهر لكم الحجة باتخاذكم فرعون إلها ؛ لأنكم إذا اتخذتم دونه سواه إلها ـ ولا إله غيره ـ فقد افتريتم عليه.
والثاني : لا تفتروا على الله كذبا فيما بان لكم الحق وظهر لكم الحجة ، فلا تفتروا على الله كذبا بقوله : إنه سحر ، وإنه كذاب.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذابٍ) برفع الياء ونصبها جميعا.
(فَيُسْحِتَكُمْ) : قال أبو معاذ (٢) : يقال : أسحته وسحته ، قهره وأقهره.
وقال أهل التأويل (٣) : أي : يهلككم ويستأصلكم بعذاب.
ثم يحتمل ذلك العذاب في الدّنيا ، أوعدهم بعذاب يأتيهم إذا افتروا على الله كذبا بعد ما بان الحق ، وظهر لهم البرهان والحجة.
وقوله : (وَقَدْ خابَ مَنِ افْتَرى) في الدنيا والآخرة.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَتَنازَعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوى) قال بعضهم (٤) : قوله : (فَتَنازَعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوى) أي : [تناجى] السحرة فيما بينهم سرّا من فرعون ، فذلك قوله : (وَأَسَرُّوا النَّجْوى) من فرعون ، فقال لهم : (إِنْ هذانِ لَساحِرانِ) يعنون : موسى وهارون.
وقال بعضهم : (فَتَنازَعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوى) من موسى وهارون ، فنجواهم أن قالوا : (إِنْ هذانِ لَساحِرانِ يُرِيدانِ أَنْ يُخْرِجاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِما) والأشبه هنا أنهم اعتزلوا
__________________
(١) قاله البغوي (٣ / ٢٢١).
(٢) انظر : تفسير غريب القرآن ص (٢٨٠).
(٣) قاله ابن عباس : أخرجه ابن جرير عنه (٢٤١٨٨) ، وهو قول قتادة والسدي وابن زيد.
(٤) قاله قتادة ، أخرجه ابن جرير عنه (٢٤١٩٣).