بالظاهر والباطن جميعا على ما ذكرنا في قوله : (فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُما) ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُما كَما رَبَّيانِي صَغِيراً).
قال بعضهم : (رَبِّ ارْحَمْهُما كَما رَبَّيانِي صَغِيراً) ، ويحتمل أن يكون على الإضمار ؛ فيكون ـ والله أعلم ـ كأنه قال : رب ارحمهما كما رحماني وربياني صغيرا.
وقول أهل التأويل (١) : إن هذا منسوخ نسخه قوله : (ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ ...) الآية [التوبة : ١١٣] ـ بعيد ؛ وأمكن أن تكون الآية في المؤمنين والكافرين ؛ فالرحمة التي ذكر : تكون في الكافرين سؤال الهداية لهم وجعلهم أهلا للرحمة والمغفرة ؛ وذلك جائز كقول نوح لقومه : (اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كانَ غَفَّاراً) [نوح : ١٠] ، أي : استهدوا ربكم ؛ فيهديكم فيغفر لكم ما كان منكم ؛ إنه كان لم يزل غفارا ؛ إذ لا يحتمل أن يأمرهم بالاستغفار ويعدهم بالمغفرة على الحال التي هم عليها ، وكذلك استغفار إبراهيم لأبيه.
أو أن تكون من الرحمة التي يتراحم بعضهم [بعضا ، والشفقة](٢) التي تكون بين الناس كما يتراحم الصغار والضعفاء ، ثم مثل هذه المعاملة التي أمر الولد أن يعامل أبويه يلزم المؤمنين من جهة الدين ومكارم الأخلاق أن يعاملهم الناس بعضهم بعضا ، غير أن هذا فيما بين الناس ليس بفرض لازم ، وذلك [فرض](٣) لازم ؛ لأنها بحق الشكر والجزاء لهما بما كان منهما إليه من البرّ والإحسان ، وحق التربية والتعظيم حقهما وجليل قدرهما وخصوصيتهما ، وهو كما يقال لرسوله : (وَاخْفِضْ جَناحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) [الشعراء : ٢١٥] ، وإلا فقد وصف المؤمنين بتراحم بعضهم على بعض ؛ على ما ذكر : (رُحَماءُ بَيْنَهُمْ) [الفتح : ٢٩] ، وأمرهم بذلك.
وقوله ـ عزوجل ـ : (رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِما فِي نُفُوسِكُمْ).
قال بعضهم (٤) : قوله : (أَعْلَمُ بِما فِي نُفُوسِكُمْ) من أسرار المحبة لهما والبر والكرامة. وقال [بعضهم](٥) : (رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِما فِي نُفُوسِكُمْ) ، أي : أعلم ما تفعله نفوسكم ، وهو كما
__________________
(١) قاله ابن عباس أخرجه ابن جرير (٢٢٢٠٩) ، (٢٢٢١١) ، والبخاري في الأدب المفرد وأبو داود وابن المنذر من طرق عنه ، كما في الدر المنثور (٤ / ٣١١) ، وهو قول قتادة وعكرمة.
(٢) في ب : لبعض في الشفقة.
(٣) سقط في أ.
(٤) قاله ابن جرير بنحوه (٨ / ٦٣).
(٥) سقط في أ.