قال عيسى ـ عليهالسلام ـ : (تَعْلَمُ ما فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ ما فِي نَفْسِكَ) [المائدة : ١١٦] ، أي : تعلم ما تفعله نفسي ، ولا أعلم ما في نفسك من التدبير والتقدير ؛ فعلى ذلك هذا.
وجائز أن يكون قوله : (رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِما فِي نُفُوسِكُمْ) ـ صلة قوله : (فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ ...) الآية ، أي : ربكم أعلم بما في ضميركم : من الاستقذار إياهما ، والاستثقال ، والكراهة إذا بلغا المبلغ الذي ذكر ، ولكن لا تظهر ذلك لهما ولا يوافق ظاهرك باطنك.
أو أن يقول : ربكم أعلم بما في نفوسكم [ولا يعلم غيره ما في نفوسكم ؛ فلا تراءون الناس بما في قلوبكم](١) ؛ ولا تصرفوا ما في ضميركم إلى من لا يعلم ذلك ؛ يخاطب الكل على الابتداء ألا يجعل ما في قلبه لغيره ؛ بل يخلص (٢) له ، أو أن يكون قوله : (رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِما فِي نُفُوسِكُمْ) ، أي : ما تفعله أنفسكم وتدبّرها.
وقوله ـ عزوجل ـ : (إِنْ تَكُونُوا صالِحِينَ).
أي : تصيروا صالحين ؛ لأن قوله : (تَكُونُوا) إنما هو في حادث الوقت.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَإِنَّهُ كانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُوراً).
يشبه أن يكون قوله : (إِنْ تَكُونُوا صالِحِينَ) صلة قوله : (وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ) ، و (إِنْ تَكُونُوا صالِحِينَ فَإِنَّهُ كانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُوراً) أي : لم يزل غفورا للأوابين ولمن يشاء. ثم اختلف في الأواب :
قال بعضهم (٣) : الأوّاب : الرجّاع التواب ، وهو قول أبي عوسجة.
قال القتبي (٤) : الأوّاب : التائب مرة بعد مرة ، وهو من : آب يئوب ، أي : رجع ، وهما واحد.
وقال بعضهم (٥) : الأواب : المطيع ، وقيل (٦) : المسبح ونحوه.
وقال أبو عوسجة في قوله : (وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ) ، أي : لن لهما وارفق بهما ؛ ذكر برّ اللسان للوالدين ولطفه إياهما قولا وفعلا ، وليس في ظاهر الآية ذكر البر بالمال والإنفاق عليهما ؛ فيشبه أن يكون ذلك داخلا في قوله : (وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً) ، أو
__________________
(١) في أ : فلا يرون الناس.
(٢) في أ : يختص.
(٣) قاله سعيد بن جبير ومجاهد أخرجه بن جرير عنهما (٢٢٢٣٠) و (٢٢٢٣٥) ، وهو قول الضحاك.
(٤) وقاله أيضا سعيد بن المسيب أخرجه ابن جرير عنه (٢٢٢٢٢) و (٢٢٢٢٩) ، وينظر : تفسير غريب القرآن ص (٢٥٣).
(٥) قاله ابن عباس ، أخرجه ابن جرير (٢٢٢١٧) ، وابن أبي حاتم عنه ، كما في الدر المنثور (٤ / ٣١١) ، وهو قول قتادة.
(٦) قاله ابن عباس ، أخرجه ، ابن جرير عنه (٢٢٢١٥) ، وهو قول عمرو بن شراحبيل.