عليكم بالعقوبة.
ثم قول أهل التأويل : إنه سلّط عليهم بختنصر وجالوت ثم فلانا وفلانا ـ فذلك لا يعلم إلا بالخبر عن رسول الله ، وليس في الآية سوى أنه بعث عليهم (عِباداً لَنا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ) ؛ فلا يزاد على ذلك إلا بالخبر ، سوى أنه ذكر هذا لنا ، وفيه وجوه من الحكمة : أحدها : ما ذكرنا من إثبات نبوة محمد ومن صدق رسولهم ؛ حيث حذرهم العقوبة بعصيانهم ، فكان كما قال.
وفيه تحذيرنا عن مثل صنيعهم ؛ لأنهم ليسوا بذلك أولى من غيرهم.
وقال القتبي (١) : (فَجاسُوا خِلالَ الدِّيارِ) ، أي : عاثوا بين الديار ، وأفسدوا. ويقال : جاسوا ، وحاسوا.
(ثُمَّ رَدَدْنا لَكُمُ الْكَرَّةَ).
أي : الدولة.
وقوله ـ عزوجل ـ : (أَكْثَرَ نَفِيراً).
أي : عددا ، وقال أبو عوسجة : (أَكْثَرَ نَفِيراً) : هو من الخروج والنفر ، ومعناه : أكثر عددا ، وقال أبو عبيدة (٢) : (فَجاسُوا خِلالَ الدِّيارِ) : معناه ، أي : فقتلوا في ديارهم.
وقال قتادة : النفير : المقاتلة الذين يستنفرون للقتال ، أي : لو استنفرتم أنتم ، واستنفر أولئك كنتم أكثر منهم. ثم جاء قوله : (فَإِذا جاءَ وَعْدُ أُولاهُما) إلى قوله : (فَجاسُوا خِلالَ الدِّيارِ) ، معلوم أنه لم يكن في كتابهم هذا اللفظ : (بَعَثْنا عَلَيْكُمْ) ؛ (فَجاسُوا) ـ على الابتداء ، ولكن كان ـ والله أعلم ـ : إذا جاء وعد أولاهما لنبعثن عبادا أولي بأس شديد يتجسسون أو يجوسون ، لكنه خاطب بهذا ـ [والله أعلم] ـ الذين كانوا بحضرة رسول الله صلىاللهعليهوسلم وإن كانوا هم لم يفعلوا ما ذكر ؛ لكن لما فعل أوائلهم خاطب هؤلاء ؛ لما كانوا يفتخرون بأوائلهم ويقولون : هم أبناء الله وأحباؤه ، فيذكّر هؤلاء نعمه التي أنعم على أولئك ، ويحذرهم صنيعهم ، وهو ما خاطبهم بقوله : (وَإِذْ قُلْتُمْ يا مُوسى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ ...) الآية [البقرة : ٥٥] ، وقوله : (وَإِذْ قُلْتُمْ يا مُوسى لَنْ نَصْبِرَ عَلى طَعامٍ واحِدٍ) [البقرة : ٦١] ، ونحوه : خاطب هؤلاء الذين كانوا بحضرة رسول الله صلىاللهعليهوسلم وعاتبهم على صنيع أولئك وفعلهم ؛ وإن كان هؤلاء لم يقولوا ذلك لما رضوا بصنيع أولئك وفعلهم ؛ استئداء منهم
__________________
(١) ينظر : تفسير غريب القرآن ص (٢٥١).
(٢) ينظر : مجاز القرآن (١ / ٣٧٠).