وقد ذكر القوم في وجه ذلك (١) : ان الأمر إنما يكون متعلقا بصرف إيجاد الطبيعة في الخارج ، فهو لا يقتضي إلا إيجادها في ضمن فرد ما ضرورة ان صرف الوجود يتحقق بأول وجودها وبه يتحقق الامتثال ويحصل الغرض ، ومعه لا مجال لإيجادها في ضمن فرد آخر ، واما في طرف النهي فبما انه صرف ترك الطبيعة ، فلا محالة لا يمكن تركها إلا بترك جميع أفرادها في الخارج العرضية والطولية ولا تنعدم إلا بانعدام جميع الأفراد.
وقد أورد على ذلك بعض أساتيذنا المحققين (ره) (٢) بان الطبيعة توجد بوجودات عديدة ، ولكل وجود عدم ، وهو بديله ونقيضه ، ولا يكون نقيض الوجود الخاص إلا العدم الخاص ، لا عدم الأفراد الأخر.
وحينئذٍ إذا لوحظت الطبيعة في مقام الحكم أمراً أو نهيا بنحو تسرى إلى جميع الأفراد ، فكما ان النهي عنها يقتضي طلب ترك جميع الأفراد ولا يتحقق الامتثال ، إلا بترك الجميع ، كذلك الأمر لا يمتثل إلا بإيجاد جميع الأفراد ، واما إذا لوحظت في مقام الحكم بنحو صرف الوجود ، فكما ان الأمر لا يقتضي إلا وجودا واحدا ، كذلك النهي لا يقتضي إلا ترك فرد ما ، فالمغالطة إنما تكون من جهة انه يؤخذ الطبيعة في مقام تعلق الأمر بنحو صرف الوجود وفي مقام تعلق النهي بنحو مطلق الوجود.
__________________
(١) ذكر هذه المسألة غير واحد من الأعلام واعتبروها فرقا مهما بين الأمر والنهي ، منهم آية الله الخوئي في المحاضرات ج ٤ ص ١٠٦ (واما المقام الثاني).
(٢) راجع نهاية الدراية ج ١ ص ٥٠٧ عند قوله : لا يخفى عليك ان الطبيعة توجد بوجودات متعددة ... الخ.