ترك جميع الأفراد كما لا يخفى.
واما المورد الثالث : وهو انه إذا خولف النهي ، وتحقق أول الوجودات ، لما ذا يجب الترك في الأزمنة المتأخرة؟.
فالظاهر : ان الحكم في هذا المورد ، يدور مدار كون المفسدة في جميع الوجودات ، وكونها في أول الوجودات ، إذ على الأول يجب الترك ، وعلى الثاني لا يجب ، والمدعى ان الظاهر من دليل النواهي كون المفسدة من قبيل الأول ، خلاف ما هو ظاهر دليل الأمر : فان ظاهره كون المصلحة في صرف الوجود لا في جميع الوجودات.
ولنا في إثبات الفرق وكون النهي من قبيل الأول طريقان :
الأول : الغلبة الموافقة للارتكاز والفهم العرفي ، فان الغالب ترتب المصلحة على صرف الوجود ، والمفسدة القائمة بالطبيعة التي لم يؤخذ فيها قيد من القيود بجميع الوجودات ، وان شئت فاختبر ذلك من حال نفسك فيما إذا رأيت مصلحة في فعل من عبدك ومفسدة فيه بالنسبة إلى الآخر وهذه الغلبة قرينة عامة على ان النهي متعلق بكل فرد بحيث لو كان متعلقا بصرف الوجود كان محتاجا إلى نصب قرينة عليه ، والأمر بعكس ذلك ، وهذا الفرق إنما نشأ من قبل المصلحة والمفسدة لا من قبل الأمر والنهي ، ولا من قبل متعلقهما.
الثاني : ان التقييد بأول الوجودات مخالف للإطلاق في كلا الموردين ، بل مقتضى الإطلاق ثبوت الحكم إيجابيا كان أم تحريميا في جميع الأفراد ولكن في الأمر قامت قرينة عامة على ان المتعلق صرف الوجود لملاحظة المصالح القائمة بالطبائع.