وقد انقدح بذلك ، أن رفع التكليف المجهول كان منة على الامة ، حيث كان له تعالى وضعه بما هو قضيته من إيجاب الاحتياط ، فرفعه (١) ،
______________________________________________________
التكليف لو كان واصلا بنفسه ، وهذا الامر جار في كل ايجاب وتحريم طريقي ، فثبت ان المؤاخذة عليه هي المؤاخذة على التكليف الواقعي ، وحينئذ يكون رفعها برفع ايجاب الاحتياط ، والى هذا اشار بقوله : «ضرورة انه كما يصح ان يحتج بهما» أي بالايجاب والتحريم لو كانا واصلين كذلك «صح ان يحتج به» أي صح ان يحتج بايجاب الاحتياط «ويقال لم اقدمت» على مخالفة التكليف «مع ايجابه» أي مع ايجاب الاحتياط ، ويكون ايجاب الاحتياط بيانا «و» لذلك به «يخرج عن العقاب بلا بيان والمؤاخذة بلا برهان كما يخرج بهما» أي كما يخرج بوصول التكليف الايجابي والتحريمي عن العقاب بلا بيان والمؤاخذة بلا برهان.
(١) لا يخفى ان من جملة الاشكالات على هذا الحديث فيما كان المرفوع هي المؤاخذة على التكليف المجهول هو ان الحديث وارد مورد المنة على أمته صلىاللهعليهوآلهوسلم دون غيرها من الامم ، ولا منة في رفع المؤاخذة على التكليف المجهول ، لوضوح ان المفروض فيه عدم وصوله وعدم قيام البيان عليه ، والعقل يحكم بقبح العقاب بلا بيان ، ومع حكم العقل بذلك لا منة في رفع العقوبة على التكليف المجهول.
والجواب عنه قد ظهر مما مر من انه بعد ان كانت المصلحة مقتضية لإيصاله بايجاب الاحتياط ، فالأمر فيه دائر بين جعل الاحتياط إيصالا للتكليف الواقعي ، وبين رفع الاحتياط لمصلحة المنة ، وبه ترتفع المؤاخذة لرفع موضوعها ، فلا يكون الرفع في المقام من غير منة بعد ان كانت المصلحة التكليفية تدعو الى ايجاب الاحتياط ، ومن هذا ظهر وجه الانقداح ايضا ، ولذا قال (قدسسره) : «وقد انقدح بذلك» أي بما مر من الكلام «ان رفع التكليف المجهول» برفع ايجاب الاحتياط بعد ان كانت مصلحة التكليف تدعو الى ايجابه «كان منة على الامة حيث كان له تعالى وضعه» أي وضع التكليف المجهول وايصاله وتنجيزه «بما هو قضيته من ايجاب الاحتياط»