بيان الوضع ، وإن زعم المحقق القمى خلاف ذلك في وجه ، وكونه في مقام التكليف وتبعه الفاضل النراقي مع الجزم ، ما اسمعناك في طي المقدمات في المقام عن قريب من أن الغرض ليس الاستدلال بنفس الأخبار في مورد الشك ، بل الغرض الاستناد إلى حكم العقل بعد ظهور الأخبار في اثبات الارتباط الواقعي ، ولا اشكال في دلالة ما اشتمل على النهي على ذلك ، من حيث كونه غيرياً ارشادياً مسبّباً عن المقدميّة والارتباط ؛ فحديث عدم توجّه النهى إلى الشاك اجنبي عن المقام.
وأمّا الخامس : فيتوجه عليه أنّ المانع من الامتثال عند الشكّ المفروض في حكم العقل ، هو احتمال عدم حصول المأمور به بعد العلم بحقيقته كماً وكيفاً ، لا النهي الوارد في الأخبار على ما اسمعناك عن قريب ؛ والوجه المذكور إنما يجدي فيما كان اعتبار الشيء في العبادة مسبباً عن النهي كما في اباحة المكان مثلاً ، بناءً على ما تسالموا عليه من عدم التضاد بين الأمر والنهي الواقعي على ما عرفت الكلام فيه ، لا فيما كان النهي مسبباً ، عن الاعتبار كما في المقام.
هذا وقد جعل في كلام غير واحد منهم كالأردبيلي (١) والمحقق القمي (٢) والفاضل النراقي (٣) كلٌّ من الاصل واخبار الحل دليلاً مستقلاً على المدّعى ، فلعلّ مرادهم من الاصل البراءة العقليّة ، أو ما كان مدلولاً للأخبار العامّة ، أو استصحاب البراءة وإلَّا فلا معنى لجعل كلٍّ منهما دليلاً في قبال الآخر كما هو ظاهر ، والجواب من الأخبار أيضاً ، ما عرفت من خروج الشك في مفروض البحث عن الشك في التحريم ، فلا تعلق لها بالمقام أصلاً ؛ فالمورد مورد الاشتغال لا البراءة ، من غير فرق بين جعل المدرك لها العقل ، أو الشّرع على ما شرحنا لك الكلام في طيّ المقدمات.
__________________
(١) مجمع الفائدة ٢ : ٩٩.
(٢) غنائم الايام ٢ : ٣٠٩.
(٣) مستند الشيعة ٤ : ٣١٧.