وقال قدسسره في موضع (١) آخر وليس المراد أنّ الأصل نفي الحرج وأنّ الخروج عنه جائز ، كما في ساير العمومات الواردة في الشّريعة.
إمّا على تقدير اختصاص رفع الحرج بهذه الشّريعة فظاهر وإلّا لزم أن تكون مساوية لغيرها في الاشتمال على الحرج والضّرر ، والفرق بالقلّة والكثرة ، تعسّف شديد.
وامّا على العموم فلإجماع المسلمين على أنّ الحرج منفيّ في هذا الدّين ، ولأنّ التّكليف بما يفضي إلى الحرج مخالف لما عليه أصحابنا من وجوب اللّطف على الله تعالى ، فانّ الغالب أنّ صعوبة التّكليف المفضية إلى حدّ الحرج تبعد عن الطّاعة وتقرب إلى المعصية ، بكثرة المخالفة ؛ ولأنّ الله تعالى أرحم بعباده وأرأف من أن يكلّفهم ما لا يتحمّلونه من الامور الشاقّة وقد قال الله سبحانه : (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها)(٢). انتهى كلامه رفع مقامه.
وله كلام آخر (٣) متعلّق بالمقام لا بدّ من إيراده ، قال قدسسره بعد ما ذكر انتفاء التّكليف بما فوق الطّاقة بالنّسبة إلى جميع الأديان ما هذا لفظه : «امّا التّكليف بقدر الطّاقة والمراد به ما فوق السّعة ما لم يصل إلى حدّ الامتناع العقلي أو العادي فلم يقع التّكليف به في شرعنا ؛ لقوله تعالى : (ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ)(٤) وقوله تعالى (يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ)(٥) وقوله : «دين محمّد حنيف» (٦) وقوله صلىاللهعليهوآله «بعثت بالحنيفيّة السّهلة السّمحة» (٧).
وقد وقعت في الشرائع السابقة ؛ لقوله تعالى : (وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً كَما حَمَلْتَهُ عَلَى
__________________
(١) المصدر السابق نفسه.
(٢) البقرة : ٢٨٦.
(٣) فوائد الاصول : ١١٨ فائدة ٣٦.
(٤) الحج : ٧٨.
(٥) البقرة : ١٨٦.
(٦) الوسائل ٤ : ٣٩٣ / ح ١ / ٣٠٢١ باب ٢٣ من أبواب لباس المصلي.
(٧) عوالي اللئالي ١ : ٣٨١ ، أمالي الطوسي ٢ : ١٤١.