قال قدسسره في الفصول (١) : «ثمّ إذا اشتمل الواجب التّعييني ، على مشقّة شديدة لا يتحمّل مثلها عادة ، فلا إشكال في سقوط وجوبه التّعييني وفي بقاء وجوبه على وجه التّخيير ، لو كان له بدل اضطراري خال ، عن المشقّة ، كالغسل في البرد الشّديد مع أمن الضّرر ، أو بقاء رجحانه على وجه الاستحباب ، مع عدم البدل ، عند عدم قيام دليل عليه.
وجهان : من أنّ زوال الفصل يوجب زوال الجنس فيحتاج إثباته في ضمن فصل آخر إلى دليل ، كما مرّ.
ومن الجمع بين الحكمة القاضية بوجوب الفعل ، والحكمة القاضية بنفي الحرج. وهو الاقوى ويدلّ عليه ، ثبوت الرجحان قبل دخول وقت الواجب ؛ لعدم المانع ، فلا يعقل تحريمه بعده». انتهى كلامه رفع مقامه.
ويتوجّه عليه : أوّلاً : أنّ الحكمة القاضية بالوجوب التّعييني كيف تقتضي بقاء الوجوب التّخييري مع عدم ثبوته من أوّل الامر ، هذا مع أنّ الفرد الآخر الّذي هو بدل ، كان بدلاً اضطراريّاً وواجباً تعيّنيّاً في مرتبته ؛ فكيف صار بدلاً اختياريّاً وواجباً تخييريّاً؟ والحاصل : أنّ الحكمة المقتضية لنوع خاصّ من الطّلب لا تقتضي ، نوعاً آخر مع وجود المانع ، عن اقتضائه.
وثانياً : أنّ بقاء الاستحباب فيما لا بدل له ، مع عدم ثبوته سابقاً أصلاً ، إنّما يستقيم بعد الاغماض ، عن عنوان البقاء بإرادة مطلق الثّبوت في الزّمان اللّاحق ، وإن لم يكن موجوداً في الزّمان السابق ؛ ضرورة عدم اشتمال الخطاب الوجوبي على الخطاب الاستحبابي وإن قيل : بأنّ الشّديد القويّ يتضمّن للضّعيف بنحو من التضمّن ، لا بمعنى وجوده في ضمنه بحدّه ، حتّى يكون هناك موجودان وفردان في الخارج ، ضرورة امتناع ذلك ، كما برهن عليه في محلّه ، فيما علم كون المصلحة المقتضية للطّلب الالزامي إذا جامعت مع المانع ، عن اقتضائها له يقتضي طلباً غير الزاميّ يعبّر عنه بالاستحباب ،
__________________
(١) الفصول : ٣٣٦.