على أنفسهم من الأمور الشاقة ، وهو من هذه الجهة ، كدليل نفي الضّرر ، فكما أنّه فيما يكون نفيه شرعيّاً ، لا ينفي ما أقدم عليه المكلّف من المضارّ الماليّة ، كشراء الماء للطّهارة فيما يكون ضرراً بحسب حال المكلّف ، وشراء الشيء بأكثر من قيمته العادلة ، مع العلم بالغبن ؛ لغرض عقلائي يمنع من كون الإقدام سفهيّاً ؛ فإنّ إيجاب الوفاء بالعقد مع الجهل بالغبن ، قبل المعاملة وإن كان حكماً ضرريّاً منفيّاً ، بما دلّ على نفيه في الإسلام ، فيحكم بثبوت الخيار مع عدم بذلك التّفاوت كما عليه جماعة ، أو مطلقاً ، كما عليه الأكثر ، على الاختلاف المذكور في باب الخيارات. إلَّا أنّ إيجابه مع العلم بالغبن ليس حكماً ضرريّاً ، فلا يكون منفيّاً بما دلّ على نفى الضّرر ، بل التّحقيق عدم صدق الغبن مع الإقدام في صورة العلم ، لكون الخطر مأخوذاً في مفهومه على ما فصّلنا القول فيه في محلّه.
نعم لو كان الضّرر ممّا حكم الشّرع والعقل بحرمته كالمضارّ البدنية والعرضيّة ونحو هما فلا يسوّغه إقدام المكلّف ، كذلك ما دلّ على نفي الحرج في الدّين لا ينفي ما ألزمه المكلّف على نفسه ، من الأمور الشّاقة بإجارة ونذر ونحوهما فإنّ وقوعه في الحرج في الفرض ، لا يستند إلى الشّارع حقيقةً ، بل إلى نفس المكلّف ، فإيجاب الوفاء عليه فيما ألزمه على نفسه من المشاقّ ، لا ينفي بدليل نفي الحرج.
لا يقال : لو كان مساق دليل نفي الحرج ، مساق دليل نفي الضّرر للزم الحكم بعدم رفع الحكم الحرجيّ ، فيما لو أقدم المكلّف على الفعل الحرجيّ مع طيب النّفس ، كما لو أقدم على الغسل الحرجىّ مثلاً ، أو الصّوم الحرجيّ ونحوهما ، فيما لم يبلغ حدّ التضرر مع أنّه ممّا لم يقل به أحد وإن قالوا : بمشروعيّة الفعل بعد رفع وجوبه ، لما عرفت شرح القول فيه. فقاعدة الإقدام بالضّرر في المعاملات قاعدة أخرى ، أو جبت قصر مفاد دليل نفي الضّرر ، على صورة عدمه ، ومن هنا لا يحكم بوجوب شراء الماء في المثال الاوّل ، وإن كان المكلّف مقدّماً عليه. نعم بعد الشّراء يجب عليه التطهير ، من حيث كونه واجداً للماء.