الجمع بين القصدين ، استعمال اللّفظ في أكثر من معنى ، وهو بظاهره كما ترى ، ممّا لا معنى له ؛ فانّ القارئ لكلام الغير ، من حيث هو قارئ لا يستعمل اللّفظ في معنى ، بل ينقل كلام الغير ، فلا يلزم من استعمال اللّفظ في معنى ، وانشاء الدّعاء ونحوها به ، استعماله في معنيين ، بل الوجه في عدم الجواز ، وإن قلنا بجواز استعمال اللّفظ في معنيين ، ما ذكرنا : من عدم إمكان الجمع عقلاً بين عنوان الحكاية الحقيقيّة واستعمال اللّفظ في المعنى على ما عرفت بيانه.
ومن هنا التجأ بعض المحقّقين من محشي الرّوضة إلى توجيه كلامه وقال :
إنّ المراد ، عدم إمكان الجمع بين عنوان الثاني وعنوان قصد المعنى من اللّفظ. وان كان هذا التّوجيه في كمال البعد من كلامه كما لا يخفى. وبالجملة الجمع بين الحكاية الحقيقيّة واستعمال الحاكي اللّفظ في المعنى بنفسه ممّا لا يمكن عقلاً. نعم لا منافاة بين الحكاية الحقيقيّة وارادة المعنى في القلب ، لا من اللّفظ ، بل وارادة إفهام الغير بطريق اللّزوم ، بجعل الحكاية إمارة له ، ويسمّى إنشاء كما انّ عكسه ، وهو استعمال لفظ الغير من جهة كمال لطفه وفصاحته في المعنى يسمّى اقتباساً ، كما إنّه لا منافاة بين الحكاية المجازيّة وإرادة المعنى من اللّفظ ، كما يسمّى متابعة المؤذن في أذانه حكاية الأذان مع إنّه لا حكاية حقيقة فيه قطعاً ، بل ولا ذكر اللّفظ من جهة كونه لفظ المؤذّن ومثله ، وأولى بالتّسمية ما إذا استعمل لفظ الغير في المعنى ، من جهة إنّه لفظ الغير ، كما أنّه لا إشكال في جواز الجمع بينهما كما هو المعاين بالوجدان.
لكن هذا كلّه لا يجدي ، في باب قراءة القرآن في الصّلاة ؛ لأنّ المعتبر فيها الحكاية الحقيقيّة لا المجارية ، بل ربما يكون الجمع بينهما مؤدّياً إلى الكفر كما في قوله تعالى : (إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ) ونحوه ، ممّا يكون نسبته إلى غير الله كفراً كما لا يخفى.
دليل القول بالجواز
هذا واستدلّ القائلون بجواز الجمع بأمرين :
أحدهما : المنع من اعتبار المعنى المذكور للحكاية في نقل كلام الغير وصدق