التحكيم بعد ورود المقبولة وأشباهها من عمومات النصب كما هو واضح.
وأمّا الاحتمال الأوّل فيتوجّه عليه أنّ تعيّن الترجيح عند الاختلاف في كلّي الواقعة أوجب الأخذ بالراجح في شخص الواقعة المختلف فيها لا أنّ الرجوع الفعلي صار سبباً لذلك كما هو ظاهر واضح. ويتوجّه عليه مضافاً إلى ما عرفت ، أنّ سوق التقليد مساق الحكم في الرجوع إلى عمومات البابين والحكم بالتخيير بين الفاضل والمفضول قد أسمعناك ما فيه من الفرق بين عمومات البابين وعدم إمكان التمسّك بعمومات التقليد واعتبار الفتوى لإثبات التخيير بين الرأيين المختلفين في المسألة من المجتهدين ، بل لا بدّ له من التماس دليل من خارج. وهذا بخلاف عمومات نصب القضاة ، فإنّ مقتضاها على ما عرفت حتّى صدر المقبولة نصب كل واحد ممّن اجتمع فيه شرائط النصب حتّى في صورة الاختلاف في الرأي ، هذا.
وهنا معنى ثان للمقبولة تنطبق بملاحظته مع مرفوعة زرارة (١) الواردة في باب تعارض الخبرين صدراً وذيلاً ، وهو حمل الحكم فيها على نقل كلّ منهما الحديث المتضمّن لحكم الواقعة التي اختلف فيها الرجلان وإن اعتقد كلّ من الفقيهين مضمون ما رواه ، إلَّا أنّ الرجوع إليه إنّما هو من حيث كونه راوياً لا مفتياً ولا حاكماً. ويرشد إليه الترجيح بالأصدقية فيها فإنّه لا معنى له إلّا مع هذا المعنى فتكون الأوصاف المذكورة فيها من مرجّحات الرواية كالمرفوعة. وما قيل كما لا يأبى عنه كلام شيخنا العلّامة قدسسره في الرسالة التي أملاها في التقليد من عدم منافاة الترجيح بالأصدقية بمعنى شدّة الملكة كشدة سائر الملكات لترجيح الفتوى المستندة إلى الروايات في تلك الأزمنة (٢) ، ضعيف وإن كان ممكناً لعدم التزامهم به في ظاهر كلماتهم في باب التقليد ، فراجع وتدبر. هذا بعض الكلام في فقه المقبولة.
وأمّا غيرها ممّا عرفت من أخبار الباب الظاهرة في التفصيل والترجيح عند
__________________
(١) عوالي اللئالي : ٤ / ١٣٣ ؛ مستدرك الوسائل : ١٧ / ٣٠٣.
(٢) مجموعة رسائل فقهية واصولية (الرسالة في التقليد) : ٧٥.