لا ينبغى الاشكال في عدم كونها من مسائل أحد العلمين الأخيرين ، ضرورة عدم رجوع البحث عن المسألة الى المبدأ أو المعاد أى الامر الاخروى واستحقاق المكلّف الاجر والثّواب على اطاعة الامر وامتثاله ، أو على اتيان المأمور به على وجهه بعنوان الاطاعة على ما يفصح عنه كلمات الفريقين ، كضرورة عدم رجوع البحث عنها الى عوارض فعل المكلّف واحكامه الابتدائية ، بتوهّم أوّل البحث في المسألة الى أن فعل المكلّف المتعلّق للأمر المأتىّ به على وجهه هل حكمه وجوب الاتيان به ثانياً أو لا؟
مع انّ توسيط الأمر والاتيان على وجهه كما هو المفروض يخرج التّعلّق عن التّعلّق الابتدائى بالضّرورة ، ومن هنا لم يتوهّمه أحد من الاصوليّين ، بل لم يقع ذكره في كلامهم الّا في كلام بعض افاضل المتأخّرين بعنوان افساده ودفعه ، فيبقى حال المسألة مردّدة بين الوجوه الثلاثة الاول (١).
فنقول : قد يقال بل قيل : بكونها من مسائل علم الاصول ، من حيث رجوع البحث عنها الى البحث عن عوارض الكتاب والسّنة من حيث كونهما من الادلّة ، أو عوارض حكم العقل من حيث كونه دليلا على حكم الشّرع وكاشفا عنه ، مضافا الى عنوانها في علم الاصول وتصريح بعض اهل الفنّ بكونها من مسائله.
ولكنّ الّذي يقتضيه التأمّل فساد القول المذكور كالتّوهمين المذكورين ؛ ضرورة عدم رجوع البحث عنها الى البحث عن عوارض احد الادلّة الثلاثة ، حيث انّ البحث في المقام على تقدير رجوعه الى البحث اللّفظى وبيان مقتضاه ومدلوله مع وضوح فساده كما سنوقفك عليه وان ساعده بعض كلماتهم في طىّ المسألة في بادئ النّظر ليس بحثاً عن حال الأوامر الواردة في الكتاب والسّنة ، وان كان الغرض التّوصّل الى معرفة مداليلها ، كما هو الشّأن في جميع مباحث الالفاظ المذكورة في الاصول ، كالبحث عن حقيقة الامر والنّهى والمشتق والمفاهيم والعام والخاصّ والمطلق والمقيّد وغير ذلك ، بل بحثا عن حال الأمر ومقدار مدلوله من غير فرق بين صدوره عن الشّارع أو
__________________
(١) في النسخة (الاولة).