وإن صح اقترانه بكلمة (أعني) ، إلا إنها في الحاكم شارحة للمحكوم ، وفي المخصص مبينة للمراد. وأخرى بأن الحاكم دائما يجعل المحكوم بنظر العرف بمنزلة الموضوع ، ثم يتحكم عليه ، فيفسره بخلاف الخاص كما يظهر. ألا ترى أنه فرق بين قولنا إكرام العلماء واجب إلا بالدراهم ، وبين قولنا : إكرام العلماء واجب وإعطاء الدراهم ليس إكراما ..
ثالثها : ربما يتوهم إن كل ما يكون حاكما على عقد الحمل يكون حاكما على عقد الوضع ، فيكون مخرجا له عن أفراد المحكوم ادعاء كما مر آنفا .. ويمثل لذلك (بلا ضرر ولا حرج). وتوضيح الحال يظهر في غير هذا المقام.
رابعها : إن النسبة بين الحاكم والمحكوم لا تلاحظ أبدا ، بل يقدم الحاكم على المحكوم على كل حال ، وإن كانت النسبة بينهما عموما من وجه بخلاف الخاص. فإنه لا يقدم إلا إذا كان أخص مطلقا. وأما إذا كان أعم من وجه ، فالمرجع فيه إلى المرجحات في الجملة. والسر في تقديم الحاكم هو أنه ، بعد كونه بمنزلة المفسر للمحكوم ، لا يبقى للمحكوم ظهور في الشمول الافرادي والاحوالي. وأيضا فإن الحاكم في طول المحكوم وليس في مرتبته ، وشرط التعارض والتزاحم الوحدة في الرتبة. ومن ثم قلنا بالرجوع إلى المرجحات في الجملة ، في العامين من وجه ، اللذين لا يكون أحدهما حاكما على الآخر.
خامسها : الوجه في تقديم الحاكم على المحكوم ، والخاص على العام ، والمطلق على المقيد ، وغير ذلك مما يجيء في هذه القاعدة ، هو الظهور العرفي.
فإن العرف بعد الملاحظات الآنفة ، يرى هذه الأمور مقدمة ويرى تقديمها أخذا بالظهور. وبعد إثبات حجية الظواهر باستقرار طريقة العقلاء وتقرير الشارع لهم يكون ذلك شرعيا.
التنبيه الثاني : الدليل المتعرض للشيء بعنوانه الثانوي يكون مقدما على الدليل المتعرض لذلك الشيء بعنوانه الأولي ، لما أسلفناه في خامس الأمور المذكورة في آخر التنبيه الأول. فلو قال : الغنم حلال ثم قال : الموطوءة حرام ، كان القول الثاني مقدما على الأول ، وإن كانت النسبة عموما من وجه.