التحريم بمجرد عدم وجدان تحريمه. وهذه حرّمت الالتزام بترك ما لم يعلم تحريمه ، كما يظهر ذلك من ملاحظة الاستفهام الانكاري على عدم الأكل مما ذكر اسم الله عليه ، مع أنه لم يذكر في عداد المحرمات. ومن الضروري أن من ترك الحلال بدون التزام الترك لا يلام.
وثمرة هذا الفرق هو أنه ، لو تمّت أدلة القائلين بلزوم الاحتياط في الشبهة التحريمية ، ربما يقال بحكومتها على الآية الأولى. ولكنها تكون معارضة لهذه الآية ، لأن مفاد أدلة الاحتياط لزوم الالتزام بما لم تعلم حرمته أو جوازه. ومفاد هذه الآية استنكار ذلك. وحينئذ إما أن يجمع بينهما جمعا عرفيا ، بدعوى كون الآية نصا في الحرمة ، وتلك ظاهرة فيها والنص يحكم على الظاهر ، وإما أن يرجح الكتاب بعد تساوي الدلالة كما هو المتعين .. وتمام الكلام في دلالة الآيتين يؤخذ بما بسطناه في مباني الفقيه في أصل البراءة.
النوع الثاني : من أدلة القاعدة : أخبار مفادها مفاد الأصل.
منها : صحيح عبد الله بن سنان. قال : قال أبو عبد الله (ع) : كل شيء يكون فيه حرام وحلال ، فهو لك حلال أبدا حتى تعرف الحرام منه بعينه فتدعه (١).
ومنها : موثقة مسعدة بن صدقة ، عن أبي عبد الله (ع) قال : سمعته يقول : كل شيء هو لك حلال ، حتى تعلم أنه حرام بعينه فتدعه من قبل نفسك ، وذلك مثل الثوب الخ ... وهي طويلة ومشهورة ومعتمدة في عدة أمور (٢)
__________________
(١) الوسائل م ١٦ ب ٤٦ من أبواب الأطعمة والأشربة المحرمة ح ٢ ص ١٩٥. وروى فيه صحيح ضريس ، ورواية علي بن جعفر (ع) وهما مشتملان على مضمونه ، وروى صحيح بن سنان المذكور أيضا في الوسائل م ١٢ ب ٤ من أبواب ما يكتسب به ح ١ ص ٥٩.
(٢) الوسائل م ١٢ ب ٤ من أبواب ما يكتسب به حديث ٤ ص ٦٠.