ترجيحا بلا مرجح ولا ترجح وهو محال ، لأن الترجح فرع الرجحان ، وكان أيضا مناقضا لحكمه بها ، لأن العلم جزء الموضوع في الأحكام العقلية (١). وهو لا يجتمع مع احتمال الخلاف ، فيكون فيه احتمال مناقضة. وهو يناقض إحراز الإطاعة ، وهذا معنى ما اشتهر من أن احتمال المناقضة كالمناقضة.
وقد ظهر مما ذكرنا امور مهمة يجب التنبيه عليها ، والتنبه إليها ، فقد كثر الاشتباه فيها.
منها : أن اطلاق التعارض ، في باب الامارات ، في محله ، بخلاف الأصول ، فإن تسمية ذلك تعارضا فيه مسامحة. فإن الأصول تنظر إلى نفس المؤدي فقط ، ولا تنظر إلى لوازمه. وجعل المؤدي في احدهما الذي هو مدلوله المطابقي ، لا ينافي جعله في الآخر أصلا ، نعم ينافيه بمدلوله الالتزامي لو ثبت. والمفروض أنه ليس ناظرا له ، وليس حجة فيه ، فكأنه ليس له مدلول التزامي أصلا.
نعم : الأصول تكون معارضة لحكم العقل بوجوب الاطاعة ، ومنافية له. وهذا هو الذي اوجب سقوطها ، لا أنها متعارضة ومتساقطة بمعنى أن بعضها يعارض بعضها الآخر ، ويسقط كما يتوهم. وهذا بخلاف الامارات ، فإن بعضها يسقط بعضا وينافيه ويعارضه كما عرفته آنفا.
ومنها : أن اطلاق التكاذب على الأصلين المتعارضين فيه مسامحة ، لأنه فرع الطريقية ، وفرع نظر كل منهما للآخر. وكذلك إطلاق الكذب ، فإنه من شأن الطرق والامارات.
نعم : يصح إطلاق الموافقة والمخالفة. فإن الحكم الظاهري قد يكون على طبق الواقعي ، وقد يكون على خلافه. ومن ثم جاء المحذور الملاكي والخطابي في جعل الأحكام الظاهرية. وهذا أيضا بخلاف الامارات ، فإن اطلاق التكاذب والكذب ، في بابها ، في محله.