الغيبة ، أو ترك النميمة ، أو ترك الظلم ، ضرر ، لا يكون الفعل حينئذ مباحا.
نعم ، اذا لزم من ترك المحرم ضرر بمعنى الوقوع في محرم أعظم ، أو ترك واجب أعظم كما لو لزم من ترك غصب السفينة هلاك غريق مؤمن كان المورد من باب تزاحم الحكمين ، لا من مورد (لا ضرر) ، وجاز أو تعين ارتكاب المهم مثلا ولو اجتمع رجل بأجنبية في صحراء أو جبل ، ولزم من ترك مضاجعتها اصطلام الحيوانات لهما ، أو الهلكة من البرد ، أو غير ذلك مما هو أهم من حرمة المضاجعة ، جازت المضاجعة. فإن كان الخوف عليهما بنسبة واحدة جاز لهما معا ، وإن كان من جانب واحد جاز له ، وأما الآخر فله حكم آخر ، إلّا أن يدخل في وجوب حفظ النفوس.
وفي المثال : لو دار الأمر بين الوقوع في الزنا وبين الوقوع في الهلكة ، فربما يقال بأن وجوب حفظ النفس أهم.
فلو ساغ فعل المحرم حينئذ ، لم يكن ذلك من جهة أن (لا ضرر) ترفع حرمة الحرام الذي يكون امتثاله ضرريا ، بل كان من جهة المزاحمة بين محرمين أو بين محرم وواجب.
ثم إنه إذا ثبت وجوب حفظ الأنفس والأعراض والأموال ، وكان ضرريا أو حرجيا بالنسبة لبعض المكلفين ، ارتفع عنه الوجوب بلا ضرر ولا حرج ، إذا كان الحرج زائدا عن طبيعة الحكم ، فإن وجوب الحفظ حكم أولي ، فيكون محكوما للقاعدة.
ومن هذا تعرف أن وجوب الحفظ ليس من جهة ثبوت وجوب دفع الضرر عن الغير بلا ضرر ، بل من جهة ثبوته بدليل آخر. ومثله صيانة الأعراض وحفظ الأموال ، لو ثبت وجوب حفظ مال الغير ، إذا كان في معرض التلف ، أما إذا كان أمانة شرعية أو مالكية فإنه يجب حفظه على الأمين بلا ريب ، واما فيما عدا ذلك فهو مفتقر إلى الدليل ، ولعل ادلة كراهة الالتقاط تقتضي العدم ، والحمد لله رب العالمين.