المراحمة ترفع فعلية التكليف بالمهم لا أصل التكليف به. وأنت ترى أن شيئا من ذلك لا ينطبق في ما نحن فيه ، لأن الضررين واردان على شخصين لا على شخص واحد ، ولأن القضية ليست قضية قدرة وعجز ، بل قضية تردد في انطباق الدليل وعدم انطباقه ، فإنا نعلم في الفرض إما أنه لا ملاك لشيء منهما لقصور الدليل عن شمول شيء منهما وإما أنه ينطبق على أحد الموردين دون الآخر ، فيكون من باب اشتباه ذي الملاك بما لا ملاك له ، ولأنه لا معنى للتخيير هنا ، لأن كلا منهما يختار رفع الضرر عن نفسه. وتخيير الحاكم حسن ، ولكنه مفتقر إلى الدليل ، بل الدليل على خلافه لأن مقتضى الأصل عدمه ، مع أن فيه القاء للحاكم في ضرر التهمة ، ودفع التهمة بالقرعة حسن ، ولكن لا دليل على مشروعيتها هنا.
مضافا إلى أن التزاحم من شأن الوجوديات لا العدميات ، لأن عالم العدم يتسع لجميع الاعدام بالضرورة ولأن العدميات لا اقتضاء لها ولا تشكيك فيها فإنه لا ميز في الاعدام من حيث العدم ، والتزاحم يكون بين المقتضيات. وأما التزاحم بين وجودي وعدمي فإنه غير معقول أيضا ، لعدم التنافي بينهما بالضرورة ، وما نحن فيه من هذا الباب ، فما عن شيخنا المرتضى ، والمحقق صاحب الكفاية ، وشيخ مشايخنا النائيني رحمهالله (من كون المقام من باب التزاحم ، فالأكثر اضرارا بالآخر تجري في حقه قاعدة نفي الضرر ، ويثبت الحق للآخر الأقل ضررا) غير واضح.
وقد تحصل أن الذي ينبغي أن يقال أن صاحب الأرض مسلط على أرضه ، ولكن سلطنته ، لما كانت مضرة بصاحب الزرع ، ارتفعت بحديث نفي الضرر ، ثم يقال أن رفعها به وإن كان فيه منة على صاحب الزرع ، إلا أنه يستلزم تضرر صاحب الأرض حسب الفرض ، ورفع الضرر الذي يتولد منه الضرر لا منة فيه ، ولا إرفاق ، وحينئذ تبقى قاعدة السلطنة في حق صاحب الأرض بلا معارض ، لأن صاحب الزرع مسلط على زرعه ، وليس له سلطنة على أرض الناس ، ولو سلمنا أن سلطنة صاحب الأرض على أرضه ،