ولأن الحكم الواقعي لا نهاية له من حيث الدوام والاستمرار إلا النسخ (١) ، ولأن الحكم الظاهري لا نهاية له من حيث الاستمرار إلا العلم بالواقع ومن أجل هذا يتعين كونه غاية لموضوع الحكم الظاهري ، ألا ترى أننا إذا علمنا بالقذارة ، ارتفع الشك ، وبزواله يزول الحكم بالطهارة ، وهذا هو معنى كونه غاية لموضوع الحكم الظاهري ، ثم إنه حكي عن صاحب الحدائق أنها دالة على أن موضوع النجاسة الواقعية هو النجاسة المعلومة ، فالخمر المعلوم النجاسة نجس ، والخمر إذا لم يعلم المكلف بنجاسته طاهر ، ومثله سائر الأعيان النجسة ، ويشهد له ظاهر قوله (ع) فإذا علمت فقد قذر ، وما لم تعلم أنه قذر فليس عليك شيء.
وفيه : أن العلم ظاهر في الطريقية ، وأن العلم بالخلاف لا يصلح غاية للحكم الواقعي كما أسلفناه ، وأن ما حكي عنه لم يذهب إليه أحد من العلماء ، منذ عصرنا هذا إلى عصر أهل العصمة عليهمالسلام مع أنهم كانوا يتلقون الأحاديث طبقة عن طبقة ، ويتدارسونها فيما بينهم ، ولو كان هذا المعنى مقصودا لما خفي عليهم.
ولا ريب أن المنساق من أدلة النجاسات بأجمعها خلاف ذلك ، وأن النجاسات في مرتكز العوام فضلا عن العلماء عند جميع المسلمين قذارات واقعية أو معنوية قائمة في نفس الأعيان التي دل الدليل على نجاستها.
ثم أن هذه القاعدة كسائر الأصول تكون محكومة للأصول المحرزة كالاستصحاب. فلو تصادقا موردا ، جرى الأصل المحرز ، ولم تجر هذه القاعدة ، سواء اتحدا نتيجة أو اختلفا ، لأن الأصول المحرزة تقوم مقام العلم ، فيكون موردها حينئذ داخلا في الغاية ، فإذا كان مشكوك الطهارة طاهرا سابقا ، كان الاستصحاب هو المرجع دونها ، وإذا كان نجسا سابقا ، استصحبت النجاسة ، وعمل عليها.
__________________
(١) وحقيقة النسخ في الأحكام هو بيان مدة اقتضائها ، ونتيجته التخصيص في الزمان ، وبهذا المعنى لا يستلزم البداء ولا الجهل ولا الاغراء.