الباقية تشترك في قبولها للاسقاط ، إلا أنها لا تسمى حقا ، بل الأخيران منها هما الحق (١).
فظهر من هذا أنه ليس كل ما يسقط بالاسقاط حق ، ولا ينافيه كون كل حق يسقط بالاسقاط ، اللهم إلا أن نقول إن الابراء غير الاسقاط ، وإن الاسقاط إنما يكون في الحقوق ، وإن الابراء إنما يكون في الذميات كما هو غير بعيد ، وحينئذ يكون كل ما يسقط بالاسقاط فهو حق وفي (المسالك) ، في كتاب الهبة أشار إلى أن الابراء يحصل بهبة ما في الذمة وبالعفو وبالتصدق كما يظهر لنا من مجموع الأدلة ، واحتمل هو حصوله بلفظ الاسقاط أو قال أنه أولى.
ثم إنه لا ريب أن الخارجي من العيني والعرضي متمول بنفسه وأن ماليته لا تتوقف على اضافته ، ألا ترى أن المباحات الاصلية لم تخرج بإباحتها عن كونها مالا يقبل الاضافة. لكنها فعلا قبل الحيازة غير مضافة. وأما الأربعة الباقية فهي بنظر العرف غير متمولة ، وإنما هي اعتبارات صرفة وإنما تصير متمولة بعد حصول الاعتبار ، والاعتبار يتوقف على معتبر ويتوقف أيضا على منشأ للاعتبار ويسمى ذلك بمصحح الجعل ، فعمل الحر مثلا بناء على عدم تموله وصاع الحنطة في النسيئة والسلم لا يكونان مالا قبل السبب الذي يشغل بهما الذمة وبعده يكون صاحبهما مالكا ويكونان مالا يقبل الاضافة على غرار قبول المباحات لها ، وإلا ، فهما قبل العقد لا وجود لهما لا عينا ولا عرضا ، لا حقيقة ولا اعتبارا ، ومن ثم نجد أن برىء الذمة ليس في ذمته شيء وهو من افقر الناس ، ولو عقد على شيء في ذمته لآخر ، نجد في ذمته مالا مملوكا ونجد المالك له بنظر العرف يسمى ذا مال ، وإذا اشكل فهم هذا لما فيه من المناقشات الناشئة عن قصور العبارة ، فعليك بملاحظة الشاة في قولهم في كل خمسة من الابل شاة ، والدية في العبد تجدها نظير الصاع من الحنطة في النسيئة والسلم ، فإنها كلها تتوقف على حصول اسباب خاصة كالنصاب والجناية والعقد.
إذا عرفت هذا فاعلم أننا نجد من انفسنا بالبداهة أن هذه الأمور تضاف
__________________
(١) أعني بالاخيرين الأخير من العيني والاخير من العرضي وهما الثالث والسادس.