رابعها : حالة الجري العملي وترتيب آثاره عليه ، وهذه الأمور من لوازم القطع وذاتياته ، فإنه لا ينفك عنها. وربما امتنع انفكاك احدها عن الآخر من طرف دون آخر.
الأمر الثاني : الفرق بينهما ثبوتا وهو أن المجعول في باب الطرق والامارات هو الجهة الثانية ، لأن الصورة حاصلة ولكن الاراءة غير تامة ، ولذا لم يحصل الجزم فالشارع بمتمم الجعل يعطيها ضوءا بحيث ترى الواقع لكن تعبدا لا تكوينا ، ولذا نراها لا تزيد عما هي عليه ، وبعد ذلك يجب ترتيب الآثار.
وأما المجعول في باب الأصول فهو الجهة الرابعة ، اعني نفس الجري العملي على طبق المؤدى ، ولا يمكن أن يكون المجعول في الامارات هذه الجهة ، إذ بعد فرض ثبوت الاحكام الواقعية لموضوعاتها المرسلة يستحيل جعل حكم آخر ، على طبق مؤدي الطريق ، مغاير للحكم الواقعي ، للزوم المحذور الملاكي والخطابي (١) ولا مدفع له ، لأن لسان الامارة حينئذ ينطق بثبوت الواقع واحرازه ، فكيف يمكن جعل الحكم الثاني معه ، سواء أكان مغايرا أم موافقا.
الثالث : في الفرق بينهما اثباتا وهو من وجوه.
احدها : إن مثبتاتها حجة دون مثبتات الأصول ، وفيه تأمل. فإن مثبتات الأصول العقلانية حجة ، مثل اصالة الظهور أو عدم القرينة ، ومثل أصالة العموم والاطلاق ، أو عدم المخصص والمقيد ، ومثل اصالة عدم الغفلة ومثل اصالة كونه في مقام بيان الواقع .. كما أن بعض مثبتات الامارات ليس بحجة ، فإن اليد من اعظمها ، وربما يكون بعض لوازمها ليس بحجة ، كما افاده استاذنا الحكيم دام ظله اثناء الدرس مكررا ، قال لو كان للملك جوهرة لا يبيعها ، وعلمنا بأنها لا تنتقل عنه إلا بموته ، فلو رأيناها في يد شخص ، حكمنا له بملكيتها بمقتضى اليد. ولكننا لا نرتب آثار موت الملك من انتقال تركته وبينونة زوجته.
__________________
(١) المراد بالملاكي تفويته مصلحة الواقع ، والوقوع في المفسدة الواقعية ، والمراد بالخطابي لزوم اجتماع الحكمين المتماثلين أو المتضادين.