الاحتياط تارة ويحاول موافقة المشهور أخرى.
أما الأردبيلي وتابعيه ، فالذي يظهر لي من تواتر المحكي عنهم في المسائل الكثيرة ، أنهم عند ابتلائهم به يتورعون عن مخالفته ، لا أنهم يجزمون بالعمل به ، لأنهم يقولون في تلك الموارد بعد ذكر مضمونه (وهو الأقوى ، أو الأوجه أو المتعين ، لو لا إعراض الأصحاب عنه ، أو إن لم ينعقد إجماع على خلافه).
ولا ريب أن مثل هذا التعبير يصح حتى ممن يجزم بعدم حجيته ، غاية الأمر أن المشهور يجزمون بمخالفته وهؤلاء يتوقفون ويحتاطون كما هو الظاهر من تتبع فتاواهم.
ومن أجل هذا ، ينبغي للفقيه أن ينسب إليهم التوقف لا الخلاف ، لأن التردد والتوقف ليس فتوى بالخلاف ، كما هو واضح ، فكيف تصح نسبة الخلاف إليهم في تلك المسائل وهل هذا إلا من التسامح في التعبير .. أو من سوء فهم كلمات العلماء الأثبات الذين يلاحظون في تعابيرهم دقائق الأمور.
إذا عرفت هذا فاعلم أن ما ذهب إليه المشهور ، هو مقتضى الأصول والقواعد لأن أخبار الآحاد كلها ظنية ، والظن ليس عندنا حجة بالضرورة ، خرج منها ما عمل به معظم الأصحاب ، لقيام الدليل القطعي على حجيته ، وبقي ما عداه من الأخبار ، ومنها الأخبار الصحيحة السند الظاهرة الدلالة المهجورة عندهم ، لعدم قيام دليل على حجيتها بالخصوص ، ولقصور الأدلة الدالة على حجية الأخبار المعمول بها عن شمول هذا الصنف ، كما اعترف بذلك الشيخ الأنصاري في الرسائل (١) والشيخ الوالد في (الشذرات
__________________
(١) قال في الرسائل في أواخر مبحث حجية الظواهر بعد تعرضه لكلام صاحب المعالم ما لفظه (وما ربما يظهر من العلماء من التوقف في العمل بالخبر الصحيح ، المخالف لفتوى المشهور أو طرحه ، مع اعترافهم بعدم حجية الشهرة ، فليس من جهة مزاحمة الشهرة ، لدلالة الخبر من عموم أو إطلاق ، بل من جهة مزاحمتها للخبر من حيث الصدور ، بناء على أن ما دل من الدليل على حجية خبر الواحد من حيث السند ، لا يشمل المخالف للمشهور) انتهى.