وأقاريرهم ، ووصاياهم ، وصكوكهم ، ومراسلاتهم ، وما أشبه ذلك ، وبان الشارع قد أقرهم على ذلك ، لأنه كان يرتب الآثار التي يرتبونها على هذه الأمور ، وذلك كله قطعي لا ريب فيه (١).
الثالث : جهة الصدور ، والمقصود بها حمل كلام العاقل الحكيم على أنه صادر لبيان ما يريده ، فلو اعتذر بأنه تكلم بدون قصد ، أو تكلم هزلا وعبثا أو تقية ، لم يسمع منه.
وعلى هذا الأساس نقول : الأصل في كلام المتكلم أن يكون صادرا لبيان ما هو ظاهر من كلامه ، وأنه لم يصدر عنه تقية ، ولا بدون قصد ولا هزلا وعبثا.
وبالجملة الخبر كما يحتمل وروده لبيان الواقع ، يحتمل وروده لبيان غيره ، لاحتمال عروض جهة عقلانية تدعو إلى ذلك ، كالتقية وشبهها. ولكن الأصل العقلاني يثبت صدوره لبيان الواقع ، لاستقرار عمل الحكماء والعقلاء على ذلك ، وعلى عدم ترتيب أي أثر على احتمال وروده لبيان غير الواقع ، والشارع واحد منهم ، وقد أقرهم على ذلك ، وهذا هو المقصود من أصالة الجهة.
إذا عرفت هذا ، عرفت أن دليلها لا يشمل الخبر الذي أعرض عنه المشهور. فلو صدر كلام من المولى الحكيم ، وأعرض عنه جمع من أصحابه ، لا يحصل لغيرهم الوثوق بوروده لبيان الواقع.
فمرجع أصالة الجهة إلى أصالة حجية الحال ، وبعد الاعراض يكون.
__________________
(١) وأما المجمل من الكلام والأفعال ، فإنه لا يفيد العلم ولا الظن ، وما يتأوله المتأول مجرد احتمال ومن أجل ذلك ، فهو لا يصلح لاثبات شيء من الأشياء. ولا ريب في حسن مؤاخذة العبد إذا تأول شيئا منه ، فعمل أو ترك اعتمادا على ما تأوله. ولا سيما إذا نسبه للمولى. وقد ذم الله سبحانه العمل بالمتشابه ، وتوعد على تأويله بقوله سبحانه (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا وَما يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُوا الْأَلْبابِ)