ثبوت الحكم الواقعي لكل واقعة.
ثامنها : قوله (ص) في حجة الوداع في غدير خم ما من شيء يقربكم من الله ويبعدكم عن النار إلا بينته لكم ، وما من شيء يبعدكم عن الله ويقربكم من النار إلا بينته لكم حتى أرش الخدش ، كما هو مضمون الخطبة. والخطبة في الجملة متواترة عندنا بل وعند غيرنا فهي حجة علينا وعليهم في الفروع كما كانت حجة في الأصول.
وفيه : أنها لا تشمل المباحات لأنها ليست بمبعدة ولا بمقربة.
ثم لا يخفى أن الحكم الواقعي الموجود في الواقعة قد يتبع واقعها ويدور مدارها سواء كانت معلومة تفصيلا أو إجمالا ، أو مظنونة أو مشكوكة بالشك البدوي. فالخمر مثلا حرام في جميع هذه الأحوال ، ويمكن أن يكون حلالا لو أخذ العلم فيها جزء الموضوع. ولكن مقتضى إطلاق الأدلة هو الأول. وأما الثاني فهو مفتقر إلى الدليل ومن ثم استدل شيخنا الأنصاري رحمهالله في أول أصالة الاشتغال على اقتضاء العلم الإجمالي لحرمة المخالفة القطعية بعموم حرمة الخمر ، وتبعه غيره.
ثم إن بعض العناوين الثانوية قد تكون موضوعا لحكم شرعي أو عقلي كالاضطرار ، ويسمى واقعا ثانويا كما في حلية بعض المحرمات للاضطرار إليها ، وكالشك ، فإنه قد يكون موضوعا لحكم شرعي أو موردا له ، ويكون حينئذ حاكما على الأدلة الواقعية ، أو واردا عليها ، كما في أدلة أحكام الشك في عدد الركعات وفي أفعال الصلاة.
وقد يكون موضوعا لحكم عقلي ، كما في الشك في الشغل ، والشك في الحجية ، فإن العقل يستقل بالشغل ، فلا حاجة لاستصحابه (كما لو أتى المكلف بأحد فردي المعلوم بالإجمال ، وشك في بقاء التكليف) وكما في الشك في الحجية ، فإن العقل يستقل بعدم الحجية فلا حاجة لاستصحاب عدمها (كما لو شك في حجية الظن أو حجية الشهرة أو الإجماع المنقول.