وإن كان يتخلّل بينه وبين الضرر الخارجي إرادة الفاعل ، إلا أنها لما كانت مقهورة
للقوانين التي تصدر من الشريعة فكأنها لا إرادة. إذن فتطبيق هذه القاعدة على محلّ
الكلام لا يحتاج إلى أن يكون المسبب توليدياً بالنظر الفلسفي ، بل يكفي أن يكون
كذلك بحسب النظر العرفي.
النظرية الثانية : أن نتحفظ على كون النفي قد انصبّ على الضرر بما هو أثر ناتج عن الحكم ، وليس منصبّاً على نفس الحكم كما في النظرية الأولى. ولكن مع هذا نستفيد منه نفي هذه الحصة الخاصة من الضرر ، وهي الناشئة من الحكم الشرعي ، فيكون لا محالة نفياً لذلك الحكم الشرعي ، وكأن الشارع كان في مقام نفي حصة خاصة من الضرر ، لا نفي تمام حصصه ؛ غاية الأمر نلتزم بتقييد إطلاق المنفي وأنه ليس هو الضرر على الإطلاق ، بل حصة خاصة منه.
وهذا التقييد يتصوّر على نحوين :
الأوّل : تقييد مفهوم الضرر الذي ورد عليه النفي بسبب خاص ، لأن الضرر تارة ينشأ من ناحية الحكم الشرعي ، وأخرى من ناحية آفة سماوية ، وثالثة من ناحية تعدّي ظالم ونحو ذلك من الأمور ، فيحصَّص الضرر من ناحية أسبابه ، ويُدّعى أن النفي كان وارداً على الضرر المقيّد بسبب خاص وهو الحكم الشرعي.
الثاني : أن يبقى مفهوم الضرر على إطلاقه ، لكن يكون النفي بلحاظ العالم الذي تحت سلطان المشرّع بما هو كذلك ، لا نفيه بلحاظ العالم الذي لا يكون تحت سلطانه ، وبتعبير آخر : نفي الضرر بالقدر الذي يرتبط بالشارع ، أما الإضرار التكوينية وإن كانت موجودة إلّا أنها ليست داخلة في المساحة