والقضية القائلة : " إنّ الصدفة لا تكون دائمية ولا أكثرية" كبرى القياس. هذا أوّلاً.
وثانياً : أنّ هذه الكبرى إنّما يؤمن بها المنطق الأرسطي كقضية قبلية «أي أنه مدرك للعقل بصورة مستقلّة عن الاستقراء والتجربة لأنّه إذا كان مستخلصاً من الاستقراء والتجربة فلا يمكن أن يعتبر أساساً للاستدلال الاستقرائي وشرطاً ضرورياً للتعميمات الاستقرائية ، إذ يصبح هو بنفسه واحداً من تلك التعميمات الاستقرائية ، فيتوجّب على المنطق الأرسطي وهو يحاول أن يتّخذ من ذلك المبدأ أساساً منطقياً للاستدلال الاستقرائي عموماً أن يمنحه طابعاً عقلياً خالصاً ويؤمن به بوصفه معرفة عقلية قبلية مستقلّة عن الاستقراء والتجربة» (١).
وهنا تكمن نقطة الخلاف الجوهرية بين المنطق الأرسطي وبين ما أسماه الأستاذ الشهيد بالمنطق الذاتي (٢) الذي وضع قواعده في كتابه «الأسس المنطقية للاستقراء» حيث يرى «أنّ المبدأ الذي ينفى تكرّر الصدفة النسبية باستمرار ليس معرفة عقلية قبلية بل هو إذا قبلناه ليس على أفضل تقدير إلا. نتاج استقراء للطبيعة ، كشف عن عدم تكرّر الصدفة النسبية فيها على خط طويل ، وإذا كان هذا المبدأ بنفسه معطى استقرائياً فلا يمكن أن يكون هو الأساس للاستدلال الاستقرائي ، بل يتوجّب عندئذ الاعتراف بأنّ الأمثلة التي يعرضها
__________________
(١) الأسس المنطقية ، مصدر سابق ، ص ٤٥.
(٢) يقول (قدسسره): «ونريد بالمذهب الذاتي للمعرفة اتجاهاً جديداً في نظرية المعرفة يختلف عن كلّ من الاتجاهين التقليديين اللذين يتمثّلان في المذهب العقلي والمذهب التجريبي». الأسس المنطقية ، ص ١٣٣.