توضيحه : أن هناك خطابين للأمر بالوضوء ، أحدهما : وجوبيّ ، والآخر : استحبابيّ ، وسقوط الأمر الوجوبي للوضوء الضرري لا يستلزم سقوط الأمر الاستحبابي ؛ لما سيأتي أن «لا ضرر» إنما تنفي الإلزام الضرري لا الاستحباب الضرري. ومقتضى ذلك هو الالتزام ببقاء الملاك والمصلحة في الوضوء بمقدار ما يكشف عنه الخطاب الاستحبابي ، فيحكم حينئذ بصحة الوضوء بلحاظ هذا الأمر الاستحبابي.
وهذا طريق حسن في مقام تصحيح الوضوء الضرري ، والمشهور وإن لم يلتزموا بصحة الوضوء الضرري ، إلّا أن منشأه لا ينحصر في أنهم اعتمدوا التفسير الثاني المتقدّم دون الأول كما يقول المحقق العراقي ، بل لعلّهم غفلوا عن وجود خطابين في المقام ، وأنّ أحدهما لا يرفع ب «لا ضرر» أو إن بعضهم كان يبني على أن الخطابات الاستحبابية هي الأخرى ترفع ب «لا ضرر» كالخطابات الإلزامية ، كما هو مبنى بعض الفقهاء.
والحاصل أننا وإن لم نقبل فتوى المشهور ببطلان الوضوء الضرري ، لكن مع هذا لا نوافق التوجيه الذي ذكره العراقي لكلام المشهور.
النكتة الثانية : لو فرض أن وجوب الوضوء كان معلوماً للمكلف ، ولكن ضرريته مجهولة له ، فقد أفتى مشهور الفقهاء بصحة الوضوء ، مع أنه لو كان المستند هو «لا ضرر» لكان ينبغي الحكم بالبطلان ؛ وذلك لأن «لا ضرر» تنفي الحكم الضرري بحسب الواقع ، لا ما يعتقده المكلف أنه ضرر ، لأن عنوان الضرر موضوع لمعناه الواقعي من دون أن يؤخذ فيه قيد المعلومية للمكلف ، كسائر العناوين المأخوذة في الخطابات الشرعية. ولما كان وجوب الوضوء ضرريّاً في الواقع كما هو المفروض ، إذن ينبغي أن يكون منفياً