قال السيّد الحائري بأنّ هذا الكلام إنّما صدر من الأستاذ بعد استكشافه لمنطق الاحتمالات ، وعدم برهانية كثير من العلوم الموضوعية للإنسان وقبل انتهائه إلى تحقيقاته النهائية في منطق حساب الاحتمالات وما أسماه أخيراً بالمنطق الذاتي.
أمّا بعد ذلك فمن الواضح أنّ هذا البيان غير صحيح ، لأنّ العلم موجود حادث وممكن يتبع علّته ، لكن العلم في غير الضروريات إنّما يكون موضوعاً إذا انتهى إما إلى البرهان أو إلى قوانين حساب الاحتمالات المنقّحة في بحث المنطق الذاتي ، وإن لم ينته إلى هذا ولا ذاك فهو علم غير موضوعي ناتج عن وهم ، أو عن مقاييس لم يكن ينبغي للإنسان أن يحصل له العلم منها. ونفس التفتيش عن علّة هذا العلم قد يوضّح للإنسان أنّ علمه هل هو موضوعي أو لا؟ فإن عرف أنّه غير موضوعي فقد تصبح نفس هذه المعرفة سبباً لزوال ذاك العلم ، والإنسان الذي يعلم بشيء ميّال إلى معرفة سبب علمه ومدى موضوعيته ، وعن طريق معرفة السبب يستطيع أن ينقل علمه إلى الآخرين ، فليس من الصحيح القول بأنّه لا حاجة إلى التفتيش عن سبب العلم لأنّه إن حصلت علّته حصل وإلّا فلا كما لا يخفى» (١).
وكيفما كان فالمدرسة الأصولية والاستدلالات الفقهية التي تركها لنا الأستاذ الشهيد كلّها تثبت بما لا مجال للشكّ فيه أنّه كان ملتزماً بتلك المسلّمات التي تسلّمها فقهاؤنا الأوائل من يد الشارع الأقدس على حدّ تعبيره وأن الإبداعات الأصولية التي جاء بها الصدر كانت ضمن ذلك الإطار الذي تبلورت خطوطه العامّة على يد الرعيل الأوّل من فقهاء الطائفة.
__________________
(١) المصدر السابق ، ج ٢ ص ١٣٤.