نجد أنّه كان يعتقد أنّ الإنسان قد تحصل له قناعة بشيء وهي حجّة ينبغي قبولها وإن لم يكن واقفاً على الدليل عليها.
يقول : «إنّ هذا النزوع والاتجاه نحو وجدان دليل وفق ما تقتضيه تلك الحالة النفسية لعلّه والله العالم من نتائج المنطق الأرسطي القائل بأن الشيء لا بدّ من أن يكون ضرورياً أو مكتسباً منتهياً إلى الضروري ، فخلّف هذا المنطق في الأذهان في مختلف العلوم ، ومنها علم الفقه تخيّل أن الإنسان غير الساذج لا ينبغي له تسليم أي دعوى لا تكون ضرورية ولا منتهية إلى الضروريات. ومن هنا يحاول الفقيه أن يجد دليلاً وفق مقصوده كي لا يكون مدّعياً لشيء بلا دليل.
ولكن الواقع أنّ العلم ليس دائماً ناشئاً من البرهان بل قد ينشأ عن علّة أثّرت في النفس تكويناً فأوجدت العلم بلا برهان. والعلم بنفسه أمر حادث قائم بممكن حادث تسيطر عليه قوانين العلّية والمعلولية ، ومهما وجدت علّته يوجد العلم قهراً سواءً علمت تلك العلّة أو لا ، وليس حصول العلم بحاجة إلى التفتيش عن علّته كي نجدها فيوجد العلم ، وليست نسبة العلم إلى علّته إلّا كنسبة الحرارة إلى علّتها ، فكما أنّ الحرارة توجد بوجود علّتها سواء فتّشنا عن علّتها ووجدناها أو لا ، كذلك الحال في العلم فلا موجب لهذا النزوع والاتجاه.
نعم لو أُريد إعطاء صفة الحجّية المنطقية للعلم يجب التفتيش عن علّته ، وملاحظة مدى انطباقها على قوانين المنطق القديم» (١).
وهذا النصّ وإن كان يبيّن بوضوح أنّ تلك الحالة النفسية والقناعة الوجدانية قد تحصل عند الإنسان وإن لم يقف على دليلها ويتعرّف عليه ، إلّا أنّ الظاهر كما
__________________
(١) مباحث الاصول ؛ مصدر سابق ، ج ٢ ص ١٣٣.