من يشاء ، وجائزة موفرة يخص بها من أخلص في الدعاء ، وكم من عبادة فيه هبت عليها نسمات القبول ، ودعوة من ذي طلبة مشفوعة ببلوغ المأمول ، ومشكل من مسائل اتضح بمصابيح الهداية ، وعويص من المطالب افتتح بمفاتيح العناية ، فهو وقت للعلماء والعاملين والعرفاء والمتعبدين ، والسعيد من سعد بإحياء هذا الوقت الشريف ، واستدر به أخلاف الكرم من الجواد اللطيف ، وجاء في جنبه للقيام بين يدي الجبار ، وواظب فيه على الإنابة والاستغفار مما اجترح في آناء الليل والنهار ، وقد وقع الالتباس لكثير من الناس في هذا الوقت ، فمنهم من توسع فيه حتى أتى بأعماله بعد العشاء متى شاء ، أو تربص بها حتى مضى نصف الليل أو ثلثاه بلا مستند من الشرع ولا شاهد من اللغة أو العرف ، ومن حق العمل الموقت واجبا كان أو مندوبا مراعاة وقته المقدر له شرعا ، فان ترك العمل من أصله أهون من الإتيان به في غير وقته ، لمشاركته الترك في ترك المأمور به وزيادته عليه بالتشريع في تقديمه أو تأخيره.
وتحديد السحر من أحد طرفيه وهو الآخر معلوم ، لاتصاله بالفجر بإجماع العلماء وأما طرفه الآخر وهو الأول المخالط لدجى الليل فربما اكتسى ثوب الاجمال ، لعدم وقوع التصريح به من أكثر اللغويين والأدباء كما قيل ، غير أن المعلوم من كلماتهم ومن محاورات أهل العرف وتتبع الاستعمالات الواردة بطلان ما ظن من التوسعة ، ولعل أوسع ما قيل في معناه ما عن جامع الشيخ الثقة أبي علي الطبرسي وكشاف رئيس علماء اللغة والبلاغة جار الله الزمخشري وأبي حامد الغزالي وإحياء الفاضل القاساني السدس الأخير من الليل ، بل قال بعض المتبحرين : « إني لم أجد لأحد من المعتبرين تحديده بالأكثر من ذلك ، بل ظاهر الأكثر أنه أقل منه ، كما أنه ربما يقاربه أو ينطبق عليه قول البعض : أما الزيادة فلا » وكأنه أراد بقول البعض تفسيره بآخر الليل كما في مجمع البحار ، أو بقبيل الصبح كما في المجمل والصحاح ، أو قبله من دون تصغير كما في