بل جزم به في الأخير فجوز المشي حال ذكر الركوع والائتمام مع البعد المانع من الاقتداء في غير هذه الصورة المنصوصة ، وقد يؤيده أيضا مضافا إلى ما سمعت أنه لو كان البعد بما لا يجوز له اختيارا مانعا شرعيا هنا أيضا وأن المسألة مستثناة من كراهة الانفراد في الصف خاصة لما كان الحكم هنا اتفاقيا ، بل كان اللازم اختصاصه بالمشهور دون من لا يجوز التباعد بما لا يتخطى ، مع أنه لم ينقل خلاف عنه هنا ، بل قد يؤيده أيضا ظهور الوجوب من الأمر بالالتحاق وإن كان هو مخيرا فيه بين فعله حال الركوع مثلا وحال القيام ، اللهم إلا أن يقال : إنه هنا لا يراد منه الوجوب قطعا ، ضرورة أنه على هذا التقدير أيضا لم يرد منه خصوص المانع مثلا ، بل أقصاه الإطلاق الشامل له ولغير المانع وهو في الثاني ليس للوجوب قطعا ، فلا بد من حمله حينئذ على القدر المشترك بينهما الذي لا ريب في أولوية الندب منه ، واحتمال أنه مختص بالبعد المانع ، وغيره يفهم بالأولوية ونحوها بعيد ، لكن ومع ذلك كله فالأحوط ما هو المشهور على الظاهر خصوصا في مثل ما نحن فيه من العبادة التوقيفية.
ثم إن ظاهر النص والفتوى اختصاص الحكم في موضع يصدق معه الدخول كالمسجد ونحوه ، بل مورد الأول الأول ، إلا أن الذي يقوى في النظر شمول الحكم حتى للصحراء على معنى وصوله إلى موضع يمكنه فيه الائتمام بأن لا يكون بعيدا عادة بناء على المشهور ، أو الأعم منه ومن موضع يسعه الالتحاق في الصفوف في الصلاة يمشي لا يدخل تحت مسمى الكثير. ولو لتوزيعه على أحواله من الركوع والقيام ونحوهما بناء على غيره ، بل ربما قيل بدخول مثله تحت مسمى الدخول ، إذ هو الكون في مكان بعد أن لم يكن فيه ، كقوله جل اسمه (١) ( ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ ) إلا أنه كما ترى
__________________
(١) سورة المائدة ـ الآية ٢٤.