٣. وممّا يشهد على أنّ النزاع بين الصحابة والتابعين في مسألة المسح على الخفّين كان على قدم وساق انّ بعض من يروي المسح على الخفّين عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم يعمل بخلافه. روى البيهقي عن عبد الرحمن بن أبي بكرة ، عن أبيه أنّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم سئل عن المسح على الخفّين فقال : للمسافر ثلاثة أيام ولياليهنّ وللمقيم يوم وليلة ، وكان أبي ( أبو بكرة ) ينزع خفّيه ويغسل رجليه. (١)
ولما كان ذيل الحديث يوجد وهنا فيما يرويه عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم حيث إنّ عمله كان على خلاف روايته ، حاول غير واحد من المحدّثين تصحيحه. (٢)
٤. إنّ الظاهر من غير واحد من الروايات التي نقلها البيهقي في سننه أنّه يجوز المسح على الخفّين في السفر والحضر جميعا ، وقد عقد بابا بهذا العنوان : « باب مسح النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم على الخفّين في السفر والحضر » ، وقد عرفت رواية حذيفة وأسامة انّ النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم مسح على الخفّين وهو في المدينة ، ومعنى ذلك أنّه يجوز أن يختار المكلّف طيلة عمره المسح على الخفّين ، وأنّ غسل الرجلين مختصّ بمن لم يلبس الخفّين ، وهذا شيء لا ترتضيه روح الفقه ولا سيرة المتشرّعة ولا حكمة الوضوء.
وإن كنت في شكّ من ذلك ، فإليك فتاوى الفقهاء في هذا الصدد :
يرى جمهور الفقهاء الحنفيّة والشافعيّة والحنابلة ، توقيت مدّة المسح على الخفّين بيوم وليلة في الحضر وثلاثة أيّام للمسافر ، ولكن المالكية تجوّز المسح على الخفّين في الحضر والسفر من غير توقيت بزمان ، فلا ينزعهما إلاّ بموجب الغسل ويندب للمكلّف نزعهما في كلّ أسبوع مرّة يوم الجمعة ولو لم يرد الغسل لها ، ونزعهما
__________________
١. السنن الكبرى : ١ / ٢٧٦.
٢. الشرح الصغير : ١ / ١٥٢ ، ١٥٣ ، ١٥٨ ؛ جواهر الإكليل : ١ / ٢٤ ، ولاحظ الموسوعة الفقهية الكويتية ، ج ٣٧ ، مادة « مسح ».