قال الشافعي : لعلّ المراد من قول أنس كان رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يستفتح الصلاة بـ ( الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ ) أنّه كان يقدّم هذه السورة في القراءة على غيرها من السور ، فقوله ( الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ ) المراد منه تمام هذه ، فجعل هذه اللفظة اسما لهذه السورة.
وأيضا ففيها نكتة أخرى ، وهي أنّ عليّا عليهالسلام كان يبالغ في الجهر بالتسمية ، فلما وصلت الدولة إلى بني أميّة بالغوا في المنع من الجهر ، سعيا في إبطال آثار علي عليهالسلام ، فلعلّ أنسا خاف منهم ، فلهذا السبب اضطربت أقواله فيه ، ونحن وإن شككنا في شيء فانّا لا نشكّ أنّه مهما وقع التعارض بين قول أنس وقول علي بن أبي طالب عليهالسلام الذي بقي عليه طول عمرة ، فإنّ الأخذ بقول علي أولى ، فهذا جواب قاطع في المسألة.
٣. أخرج ابن أبي شيبة والترمذي والنسائي وابن ماجة والبيهقي عن عبد الله بن مغفل قال : سمعني أبي وأنا أقرأ ( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ) فقال : أي بني محدث؟ صلّيت خلف رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وأبي بكر ، وعمر وعثمان ، فلم أسمع أحدا منهم جهر ببسم الله الرّحمن الرّحيم. (١)
وقد أجاب الرازي عن هذا الحديث بقوله : إنّ الجواب بوجوه :
الأوّل : أنّ راوي أخباركم أنس وابن المغفل ، وراوي قولنا علي بن أبي طالب عليهالسلام وابن عباس وابن عمر وأبو هريرة ، وهؤلاء كانوا أكثر علما وقربا من رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم من أنس وابن المغفل.
الثاني : أنّ من المعلوم بالضرورة أنّ النبي عليهالسلام كان يقدّم الأكابر على
__________________
١. السنن للبيهقي : ٢ / ٥٢٢ ، الدر المنثور : ١ / ٢٩.