تلك الصفة منه ، فإنّ العلّة التامّة مقدّمة مثلا ، وبعد انتزاع ذلك العنوان منه يتّصف بالمطلوبيّة عند العقل ويتعلّق به الطلب ، وكذا أجزاء العلّة التامّة ، فإنّ كلّ واحد منها منفردا أو ملحوظا مع غيره ممّا يصح انتزاع وصف المقدّميّة منه ، فيصير موردا للطلب. وكذا الكلام في السبب وأجزائه وشرائطه وفي المقتضي والشرط أيضا.
وحلّ ذلك : أنّه لا مانع من تكرار الطلب على الوجه المذكور ؛ إذ ليس ذلك انشاء جديدا متعلّقا بالمقدّمة في جميع مراتب اختلافها ليلزم التكرار على وجه يغني وجوده في مرتبة منها عنه في ساير المراتب ، بل التحقيق : أنّ العقل بعد إدراك وجوب شيء يحكم حكما إجماليّا بثبوت الملازمة بين وجوب ذلك الشيء وبين وجوب ما يتوقّف عليه وجود ذلك الشيء من المقدّمات ؛ فكما أنّ اتّصاف تلك الامور بعنوان المقدّميّة مكرّرا ممّا لا ضير فيه ، فكذلك اتّصافها بالمطلوبيّة.
والسرّ في ذلك : أنّ المطلوبيّة المقدّميّة كنفس المقدّميّة ونحوها ، عنوانات انتزاعيّة اعتباريّة يعتبرها العقل في تلك الامور بملاحظة توقّف شيء عليها أو غيرها ، فكلّما لاحظ العقل أمرا يتوقّف عليه المطلوب ينتزع منه المطلوبيّة الّتي حكم بها بواسطة توقّف المطلوب عليه ، فتارة يلاحظ أمرا واحدا ، وتارة مشاركا مع غيره على وجوه اختلاف صور المشاركة ، فليس هناك طلب آخر غير ما تعلّق بذي المقدّمة ، بل إنّما تعلّقه به صار واسطة لانتزاع العقل تلك الأوصاف المتعدّدة بحسب الاعتبارات المتّحدة بحسب الذات من محالّها بحسب اعتبارات عقليّة متعدّدة.
ونظير ذلك ما إذا قيل باستفادة العموم الجمعي من الجمع المحلّى باللام ، فإنّ الجماعات المتصوّرة في ذلك الجمع متكرّرة بواسطة اختلاف اعتبار آحادها ، فإذا قيل : « أكرم الناس » ولاحظنا زيدا مع بكر وخالد يجب إكرامهم مثلا ، وإذا لاحظناه مع خالد وعمرو أيضا يجب إكرامهم ، مع أنّه لا يتكرّر الطلب بالنسبة إلى زيد. والوجه في ذلك أيضا ما عرفت : من أنّ المنشأ لذلك أمر واحد ، واختلاف العنوانات والاعتبارات ممّا لا يوجب اختلاف ذلك المنشأ.