ويدلّ على فساد الأوّل : أنّه لو كان الأمر موضوعا للطلب لا على وجه التقييد يلزم أن يكون جميع الأوامر مجازات ؛ إذ لا أقلّ من اشتراطها بالامور العامّة ، فلا يكون اللفظ مستعملا فيما وضع له من الطلب المطلق ؛ على أنّه غير معقول قطعا ، إذ لا فرق بين التقييد على وجه الاشتراط أو غيره من القيود المتعلّقة بالمأمور به بحسب القواعد العربيّة ؛ فهل ترى أنّ أحدا يقول بأنّ قولنا : « اضرب زيدا في المسجد أو راكبا أو ضربا شديدا أو بالسوط أو نحو ذلك » مجاز ، وقولنا : « اضرب زيدا » حقيقة؟
وتوضيح المقال وتفصيل هذا الإجمال هو أن يقال : إنّ هيئة الأمر موضوعة ـ بالوضع النوعي العامّ والموضوع له الخاصّ ـ لخصوصيّات أفراد الطلب والإرادة الحتميّة الإلزاميّة التي يوقعها الآمر ويوجدها عند ما ينبعث في نفسه دواعي وجود الفعل المطلوب من المأمور ، ولا اختلاف في تلك الأفراد من حيث ذواتها إلاّ فيما يرجع إلى نفس تعدّد ذواتها من تعدّد الوجودات الخاصّة ، فإنّها يجمعها عنوان واحد هو الطلب والإرادة.
نعم ، الاختلاف إنّما هو فيما تعلّق به الطلب بعد اجتماع شرائط وجوده : من الطالب والمطلوب والمطلوب منه في الجملة ؛ فتارة : يكون المطلوب شيئا عامّا ، كالضرب المطلق على أيّ نحو وقع وعلى أيّ وجه حدث زمانا ومكانا وآلة وحالة ووجها ، إلى غير ذلك. وتارة : يكون المطلوب أمرا خاصّا ـ على اختلاف مراتب الخصوصيّة ـ ففي جميع هذه الأقسام صيغة الأمر وهيئته مستعملة في الطلب الواقع والإرادة الحادثة في نفس الأمر. ولا يعقل أن يكون الفرد الموجود من الطلب مطلقا ، إذ الإطلاق إنّما هو واسطة في التعقّل ، لا في الوجود ؛ والألفاظ إنّما تتّصف بالإطلاق والتقييد باعتبار المعنى ، وبعد ما فرضنا من أنّ المعنى المقصود بالهيئة هو خصوصيّات الطلب وأفراده فلا وجه لأن يقال : إن الهيئة مطلقة أو مقيّدة ، بل