فإن قلت : إنّ العقل يحكم بالوجوب في تمام الزمان ، إلاّ أنّ التوسعة فيه هو الباعث على اطمئنانه وعدم اضطرابه ، كما إذا كان الوجوب متعلّقا بماهيّة ذات أفراد مجتمعة في الوجود ، فإنّ العقل لا يبالي بترك بعض الأفراد ما لم ينحصر في الفرد الأخير. فكما لا يمكن القول بأنّ الواجب من هذه الأفراد المجتمعة هو الفرد الأخير ، فكذا فيما نحن فيه.
قلت : فرق بين المقامين ، فإنّ التخيير في الأفراد المجتمعة في الوجود ممّا لا ضير فيه ، بخلاف التخيير بين غيرها كما في الأفراد المختلفة بحسب اختلاف مراتب الزمان تقدّما وتأخّرا ، فإنّ ذلك يشبه أن يكون التخيير بينها في الواجبات العقليّة تخييرا بين الواجب وما هو مسقط عنه ، كما إذا جعل التخيير بين الصوم والسفر المسقط له.
والإنصاف أنّ ذلك أيضا ممّا لا وجه له ؛ إذ لا نجد فرقا بين الأفراد المجتمعة وبين غيرها. وليس ذلك من التخيير بين الواجب ومسقطه ، فإنّ المصلحة الداعية إلى طلب الشيء في العقل حاصلة في جميع أفراد الواجب ، كما هو المعنيّ من الواجب الموسّع شرعا أيضا ، ولو لم يكن دليل على عدم وجوبه قبل الليل لكنّا نفتي بذلك في ذلك الزمان أيضا ، ولكنّ الإجماع متحقّق ظاهرا على عدم الوجوب قبل الليل.
لا يقال : الحكم المذكور عقليّ يمتنع تخصيصه ، فكيف يقول بقيام الإجماع؟
لأنّا نقول : قد عرفت أنّ الدليل المذكور يكشف عن أنّ الشرط هو القدرة في زمان خاصّ ، فلا غائلة في ذلك.
الثالث : إنّ العقل لا يحكم بوجوب مقدّمة الواجب المشروط قبل الوقت ، ولكن ضيقه وعدم اتّساعه للفعل ومقدّماته يقوم مقام دخول الوقت ، فلا بدّ من الاقتصار على ما هو القدر المعلوم من ذلك.