ويمكن أن يكون مستند المشهور امورا :
أحدها : دعوى أنّ الغسل قبل زمان التضيّق ليس مقدّمة للواجب ولا شرطا له ؛ فإنّ الشرط ـ على ما ذكر في تحديده (١) ـ هو ما يلزم من عدمه العدم ولا يلزم من وجوده الوجود ، ولا يلزم من عدم الغسل في غير آخر الوقت عدم المشروط ، إذ لو عدم في الأوّل يمكن إيجاده في آخر الوقت ، فلا يلزم من عدمه عدمه ، فلا يكون شرطا. وهذا ممّا أفاده بعض مشايخنا المعاصرين (٢).
والإنصاف أنّه ليس في محلّه ؛ فإنّ المراد بالعدم المأخوذ في تعريف الشرط الذي يلزم منه عدم المشروط هو عدمه مطلقا في جميع الأزمان ، لا عدمه في زمان خاصّ ، وإلاّ فعدمه في الزمان الآخر أيضا لا يلزم منه العدم إذا كان مسبوقا بوجود الشرط قبله. وبالجملة ، فإن أراد أنّ عدمه في الجزء الأخير يلزم منه العدم وإن سبقه الوجود ، فهو باطل جدّا. وإن أراد أنّ عدمه فيه مع عدمه في زمان قبله يلزم منه العدم ، فهو مسلّم لكنّه لا يجديه ، إذ عدمه في الجزء الأوّل مع عدمه في باقي الأجزاء أيضا يلزم منه العدم.
الثاني : إنّ ما دلّ على وجوب المقدّمة قبل الوقت لا يدلّ على أزيد من الزمان الذي يمكن أن يقع فيه الفعل المقدّمي قبل زمان الواجب. وهذا هو الذي اعتمد عليه الاستاذ في مباحث الطهارة (٣).
وتوضيحه : أنّ الداعي إلى إيجاد المقدّمة في الخارج قبل الوقت ليس إلاّ العقل ، وهو لا يظهر منه التحريك إلى الفعل قبله ، لاطمئنانه بفعله بعده ، فلا دليل على الوجوب فيما عدا زمان التضيّق.
__________________
(١) في ( ع ) و ( م ) : « على ما ذكروه ».
(٢) هو صاحب الجواهر في الجواهر ١ : ٤٢.
(٣) راجع كتاب الطهارة ٢ : ٥٣ ـ ٦٣.