أوضح فسادا من سابقه ؛ إذ ليس فيها ما يقضي بذلك ، إذ لا نعني بالتوصّليّة إلاّ ما لا يكون قصد القربة معتبرا فيه ، وذلك لا يقتضي شيئا.
وإن أراد بذلك أنّ أدلّة جواز الاستنابة إنّما هي حاكمة على ظاهر الأوامر الواردة في الأفعال الخاصّة ، وهي لا تجري في التعبّديّات ، فهو منقوض بجملة من التوصّليّات التي لا يجوز فيها الاستنابة كالمضاجعة والجماع ، وبجملة من التعبّديّات التي يصحّ الاستنابة فيها كالحجّ والزيارة ونحوهما. والوجه في ذلك أنّ أدلّة النيابة لا اختصاص لها بواجب دون واجب ، ففيما يكون محلّه لا يفرق بين التعبّدي والتوصّلي.
فإن قلت : لا ينبغي إنكار عدم لزوم المباشرة في الواجبات التوصّلية ، ضرورة حصول الواجب فيها بفعل الغير ، كما في غسل الثوب إذا التزم غسله غير المكلّف ، بل ولو حصل من دون مباشرة آدميّ أيضا كان مجزئا.
قلت : فرق ظاهر بين حصول الواجب في الخارج وبين ارتفاع موضوعه ومحلّه في الخارج ، وما يرى من الأمثلة إنّما هي من قبيل الثاني ، كما إذا ارتفع موضوع التعبّدي أيضا ، مثل ما إذا احترق الميّت فلا يجب عليه الصلاة.
وبالجملة ، ظاهر الأمر هو المباشرة ، والقائل بعدم لزوم المباشرة إنّما اختلط عليه الأمر بين الوجهين مع ظهور افتراقهما.
وغاية ما يمكن أن يقال في المقام توجيها لكلامه ، هو : أنّ الأمر وإن كان ظاهرا في تعلّق الطلب بشخص خاصّ ، إلاّ أنّ الغرض تعلّقه بحصول الفعل في الخارج على أيّ وجه وقع. وهو فاسد جدّا ، إذ حقّ التعبير حينئذ هو التأدية بكلام لا يكون مفاده التخصيص بالمخاطب ، كأن يقال : « فليفعل كذا » وغير ذلك.
لا يقال : يصحّ أن يكون المراد بالأمر إيجاد المأمور به ولو بفعل غيره في الخارج.