واحتج بعض موافقينا (١) على التوصّليّة : بأنّ إطلاق الأمر قاض بالتوصّليّة ، إذ الشكّ إنّما هو في تقييد الأمر ، والإطلاق يدفعه. نعم ، لو كان الدليل الدالّ على الوجوب إجماعا أو نحوه من الأدلّة اللبّية لا وجه للاستناد إلى الإطلاق ، فيكون الأمر راجعا إلى الخلاف المقرّر في محلّه من الشكّ في الشرطيّة والجزئيّة (٢) ، فإن قلنا بالاشتغال لا بدّ من القول بالتعبّديّة وإلاّ فلا.
وهو أيضا ليس في محلّه ؛ إذ الاستناد إلى إطلاق الأمر في دفع مثل هذا التقييد فاسد ، إذ القيد ممّا لا يتحقّق إلاّ بعد الأمر.
توضيحه : أنّ الإطلاق إنّما ينهض دليلا فيما إذا كان القيد ممّا يصحّ أن يكون قيدا له ، كما إذا قيل : « أكرم إنسانا » أو « أعتق رقبة » فإنّه يصحّ أن يكون المطلق في المثالين مقيّدا بالإيمان والكفر والسواد والبياض ونحوها من أنواع القيود التي لا مدخل للأمر فيها. وأمّا إذا كان القيد من القيود التي لا تتحقّق إلاّ بعد اعتبار الأمر في المطلق فلا يصحّ الاستناد إلى إطلاق اللفظ في دفع الشكّ في مثل التقييد المذكور ، وما نحن بصدده من قبيل الثاني.
فلا بدّ لنا في المقام من بيان أمرين : أحدهما يتكفّل بيان الصغرى ، والآخر بيان الكبرى.
أمّا الأوّل : فلأنّ القربة عبارة عن الإتيان بالفعل المأمور به على وجه يكون الداعي إليه هو الأمر ، فهذه من الاعتبارات اللاحقة للفعل بعد ملاحظة كونه مأمورا به ، وأمّا قبل أن يعقل الفعل مأمورا به لا وجه لأن يلاحظ مقيّدا بالقربة أو مطلقا ، كما يصحّ أن يلاحظ مقيّدا بوقوعه في زمان كذا أو مكان كذا أو عن آلة كذا ونحوها وأن يلاحظ مطلقا. ولعلّ ذلك ظاهر لمن له أدنى فطانة ولطافة قريحة.
__________________
(١) مثل صاحب الفصول في الفصول : ٦٩ ، والقزويني في ضوابط الاصول : ١٥٣.
(٢) راجع فرائد الاصول ٢ : ٤٠٠ ـ ٤٠٢.