ذهب جماعة من أصحابنا ـ ومنهم بعض الأفاضل (١) ـ إلى أنّ ظاهر الأمر قاض بالتعبّديّة.
ويظهر من جماعة اخرى أنّ الأمر ظاهر في التوصّليّة (٢). ولعلّه الأقرب.
واحتجّوا في ذلك بامور ، أقواها : أنّ العقل قاض بوجوب الامتثال بعد العلم بالأمر ، ولا يتحقّق إلاّ بقصد القربة والإطاعة.
وفيه : أنّه مصادرة محضة ؛ إذ الكلام إنّما هو في وجوب الامتثال ، فإن اريد بالامتثال مجرّد عدم المخالفة والإتيان بالفعل فهو مسلّم ، لكنّه ليس بمفيد. وإن اريد به الإتيان بالفعل على وجه التقرّب ـ كأن يكون الداعي إلى الفعل نفس الأمر ـ فهو ممنوع. والقول بأنّ العقل قاض بذلك ليس بسديد ، إذ غاية ما يحكم به العقل بعد العلم بالأمر هو عدم المخالفة وعدم ترك المأمور به في الخارج. فإن استند في ذلك إلى أنّ الإتيان بنفس الفعل في الخارج على تقدير أن يكون الامتثال به مطلوبا للآمر يعدّ من المخالفة التي يحكم بقبحها العقل ـ على ما عرفت ـ نقول : نعم ، ولكن الكلام بعد في اعتبار الامتثال في المأمور به ، وليس المستفاد من الأمر إلاّ مطلوبيّة الفعل فقط ، فلا مخالفة على تقدير الإتيان به ، كما لا يخفى. مع أنّ الاستدلال المذكور خارج عمّا نحن بصدده ، إذ الكلام إنّما هو في أنّ الأمر ظاهر في الوجوب التعبّدي أو التوصّلي. والوجه المذكور ممّا لا مساس له به على ما هو غير خفيّ.
__________________
(١) مثل العلاّمة في مبادئ الوصول : ١١٤ ، وكاشف الغطاء في كشف الغطاء ١ : ١٦٣.
(٢) منهم : الشيخ محمد تقي في هداية المسترشدين ١ : ٦٧٩ ـ ٦٨٣ ، وصاحب الفصول في الفصول : ٦٩ ، والقزويني في ضوابط الاصول : ١٥٣ ، والسيّد المجاهد في مفاتيح الاصول : ١٣٢.