ومن ذلك يعرف أنّ التفصيل بين ما إذا كان الكاشف عن الطلب هو اللفظ وما إذا كان الطلب مدلولا عليه بوجه من الوجوه اللبّية ممّا لا وجه له ؛ إذ الدالّ على التقييد المذكور على تقدير وجوده ممّا لا يفرق فيه الأدلّة اللفظيّة واللبّية على نحو اختلاف فيهما ، كما لا يخفى. وعلى تقدير عدمه فلا فرق بينهما أيضا.
فالحقّ الحقيق بالتصديق هو : أنّ ظاهر الأمر يقتضي التوصّليّة ، إذ ليس المستفاد من الأمر إلاّ تعلّق الطلب ـ الذي هو مدلول الهيئة للفعل ـ على ما هو مدلول المادّة ، وبعد إيجاد المكلّف نفس الفعل في الخارج لا مناص من سقوط الطلب ، لامتناع طلب الحاصل. وذلك في الأدلّة اللفظيّة ظاهر.
وأمّا فيما إذا كان الدليل هو الإجماع ، ففيه أيضا يقتصر على ما هو المعلوم استكشافه منه ، والمفروض أنّه ليس إلاّ مطلوبيّة الفعل فقط ، وبعد حصوله لا بدّ من سقوطه.
وأمّا الشكّ في التقييد المذكور فبعد ما عرفت من أنّه لا يعقل أن يكون مفادا بالكاشف عن الطلب لا بدّ له من بيان زائد على بيان نفس الطلب ، والأصل عدمه. واحتمال العقاب على ترك الامتثال يدفع بقبح العقاب من دون بيان ـ كما هو المحرّر في أصالة البراءة ـ من غير فرق في ذلك بين الكواشف اللفظيّة أو غيرها ، ومن غير ابتناء له ـ على ما قرّر في محلّه من الخلاف المشهور بينهم في البراءة والاشتغال عند الشكّ في الجزئيّة والشرطيّة (١) ـ إذ لا ينبغي للقائل بالاشتغال فيما إذا كان المكلّف به مجملا ـ كالصلاة على الصحيح مع الشكّ في اعتبار شيء فيه ـ القول به فيما إذا كان المطلوب أمرا معلوما مع الشك في اعتبار أمر آخر فيه ، كما فيما نحن فيه.
فظهر فساد ما قرّره المستدلّ : من أنّه على تقدير أن يكون الدليل لبّيا يكون الأمر راجعا إلى الخلاف المقرّر.
__________________
(١) راجع فرائد الاصول ٢ : ٤٠٠ ـ ٤٠٢.