فلا بدّ أن يحمل العمل على الأفعال الاختياريّة من حيث إنّها اختياريّة ، فيكون المراد : ليس الفعل الاختياري موجودا ما لم يكن مقصودا.
ومع ذلك ، فلا يجوز حمله على هذا المعنى أيضا ، ضرورة وجود الفعل الاختياري من غير قصد إلى عنوان الفعل إذا كان له عناوين متعدّدة مع تعلّق القصد بأحدها ، فإنّه يكفي في وقوع الفعل اختيارا أن يكون أحد عناوينه مقصودا للفاعل.
نعم ، لا يكون اختياريّا باعتبار عنوانه الغير الملتفت إليه ، كما هو ظاهر. فلا بدّ من أن تحمل الرواية على أنّ الفعل الاختياري بعنوانه الاختياري غير واقع إلاّ بالقصد إلى ذلك العنوان. هذا ما تقتضيه قواعد اللغة.
وأمّا ما يمكن استظهاره من الرواية فهو ما عرفت من أنّ المراد بها خصوص الأفعال العباديّة ، ويدلّ على اعتبار القربة فيها ، فلا دلالة فيها على المطلوب بوجه. على أنّه لو حمل على ما زعم يلزم تخصيص بشيع (١) لا يكاد يلتزم به من له مسكة ، فالأمر دائر بين التصرّف في الرواية بأحد الوجوه المذكورة.
ونحن لو لم ندّع ظهور الاحتمال الأخير لا نسلّم ظهورها في غيره ، فلا وجه للاستدلال ؛ لمكان الإجمال.
وأمّا قوله : « إنّما الأعمال بالنيّات » فقد ادّعي تواتره لفظا (٢). إلاّ أنّ بعض أصحابنا (٣) ـ على ما حكاه الاستاذ ـ قال باتّصال إسناده إلى الخليفة الثاني. وكيف كان ، فهو بمنزلة أن يقال : « كلّ عمل بالنيّة » وينعكس بعكس النقيض إلى قولنا : « كلّ ما ليس متلبّسا بالنيّة ليس بعمل » فيكون مفادها مفاد الرواية السابقة في الاحتمالات المتصوّرة. وعلى قياسه الرواية الاخرى.
__________________
(١) في ( ع ) و ( م ) : شنيع.
(٢) كشف الغطاء ٤ : ٢٣.
(٣) وهو المحقّق في المعتبر ١ : ٣٩٠ ، وراجع السنن الكبرى للبيهقي ١ : ٢١٥.